الأربعاء، 15 أبريل 2009

النميــــــــــــــــــــــــــــــــــمة الشر المركب -تابع-







باسم الله الرحمن الرحيم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

كان الموضوع السابق عن الغيبة وقد عرفنا أنها كبيرة من الكبائر، وهذا موضوع عن النميمة ملحق بموضوع الغيبة لأنه لولا الغيبة لما أمكن لأحد أن يرتكب ذنب النميمة ...
والنيميمة ذنب كبير جدا وشر مركب من عدة ذنوب أقلها الغيبة وأشدها الفتنة بين المؤمنين .

قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) .

و قال رسول الله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذِكْرَك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته، والبهتان هو: الباطل.
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى وإن شرار عباد الله من هذه الأمة المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت" .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله " .
النمام، لشره، يحب أن يجعل قلوب الآخرين سوداء كقلبه تختنق غلا على الناس، لا يحب أن يرى الألفة بين قلوبهم ، فيسعى ليفرق بينهم.
وفي الغالب ينجح النمام في التفريق بين الناس و إثارة العداوة و البغضاء و الشحناء بينهم، و ما نجح في ذلك إلا لأن الضحية استمعت له، و أساءت الظن، و لم تتأكد من الخبر، فلو أنه حين وصل الخبر، نهر الناقل له، حتى لا يعود، و أحسن الظن بالمنقول عنه، و تأكد بنفسه، ما نجح النمام في مسعاه .
و هي مبادئ يؤكد عليها القرآن الكريم :
فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) .
وقال أيضا:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) .
ولكن أحيانا يكون المنقول له، مريض النفس، فكأنه ينتظر من يأتيه بخبر ليقع في أخيه، و ليبرر أي تصرف قد يلام عليه .
و أحيانا أيضا، يقع النمام في شر أفعاله،
قال الشعبي : مرض الأسد فعاده السباع ما خلا الثعلب، فقال الذئب أيها الملك مرضت فعادك السباع إلا الثعلب، قال فإذا حضر فأعلمني، فبلغ ذلك الثعلب فجاء، فقال له الأسد: يا أبا الحصين مرضت فعادني السباع كلهم ولم تعدني أنت، قال: بلغني مرض الملك فكنت في طلب الدواء له، قال: فأي شيء أصبت؟، قال: قالوا لي خرزة في ساق الذئب ينبغي أن تخرج!، فضرب الأسد بمخاليبه ساق الذئب، فانسل الثعلب وخرج، فقعد على الطريق، فمر به الذئب والدم يسيل عليه، فقال له الثعلب: يا صاحب الخف الأحمر إذا قعدت بعد هذا عند سلطان فانظر ما يخرج من رأسك !!! .
وهذه قصة العبد النمام : روي أن رجلاً أراد شراء عبد ، فقال له البائع ، إن فيه عيباً واحداً ، "إنه نمام" ، فقال الرجل : لا بأس في ذلك . وحينما أحضره البيت ، ذهب العبد لزوجة سيده وقال لها : إن زوجكِ يريد أن يتزوج عليك ، والطريقة الأنسب لمنعه ، أن تأخذي شيئاً حاداً وتقطعي شعرات من رأسه حتى نقوم بعمل سحرٍ له ، ونمنعه من الزواج عليكِ. وذهب لسيده وقال له : إن زوجتك تحب رجلاً غيرك ، وتريد أن تقتلك الليلة بآلة حادة وأنت نائم ، فأنتبه لها . فجاءت المرأة المسكينة وأرادت أن تقطع شعرات من رأس الزوج ، فأنتبه لها فقام بقتلها ، فعلم أهلها فجاءوا لقتله ، وعندها سالت الدماء بين القبيلتين.
أرأيت كيف اجتمع في الغيبة كل هذه الأخلاق القبيحة، وكيف جمعت كل هذا الشر... بل وأكثر، أفلا تستحق بعد هذا كله ذاك الجزاء؟!.
الغيبة مصيبة مجالسنا!، و أحيانا عندما تنصح الناس بالتوقف عن الغيبة، يقولون لك، بها يحلو المجلس!، ...أولا تحلو المجالس إلا بتقطيع لحوم الناس، و نهش أعراضهم!!
قد يقول أحدنا أنا لا أغتاب، و لكني أسمع فقط!!!
مسكين تسمع فقط!، و هل رأيت مغتابا يكلم نفسه، لابد أن يجد مستمعا يستمع له، و بقدر استماع المستمع له تكون غيبته، بل ما يشجع حسن الاستماع المغتاب على المضي في غيبته .
إذا فأنت شريكه، بل لو لا أنت ما اغتاب، فأنت من سمح له، و بالتالي فكما كنت شريكه في الغيبة، فأنت شريكه في الذنب و العقوبة!!! .
يقول الشاعر:
وسمعك صن عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سمـــاع القبيح ... شريــــك لقائله فانتبه
وكم أزعج الحرص من طالب ... فـوافى المنـية في مطـلبه
من المضحك أن كثيرا من الناس ممن يستمع للغيبة، تجده كي يزيد من حماسة الذي يغتاب، يظهر له استغرابه، و حيرته، أو حتى استنكاره!، فيتفنن الآخر في الغيبة، و يزيد فيها ما يشاء.
وصنف آخر، ممن يدعي الورع عن الغيبة، تجدهم يذكرون شخصا،و طبعا دون ذكر اسمه، و لكن الكل يعرف من المقصود !! .
أما عن كيف تبدأ الغيبة؟، فحدث ولا حرج، فهذا يبدأ بالسؤال، و آخر يقول كلمات تثير فضول الطرف الآخر، و آخر يفتعل موقفا ...و هكذا ...
والله هذا مضحك حقا!، لا أدري لماذا يخدعون أنفسهم هكذا !! .
فينبغي لك أن تنهاه، و أن تدافع عن الذي اغتيب و لو كان فيه ما قيل؛ عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " .
في الحقيقة من الناس من ينهى، و لكنه في أعماقه يود الاستماع، بل و يستحسن أن ينتقص من أخيه، و هو مرض أيضا، و ينبغي أن يعالج! .
ولتتذكر جيدا، أن الذي اغتاب عندك، لا تأمن أن يغتابك أنت أيضا، بل ولعله يفعل ذلك فعلا!!
ويقال لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك، أن يغتابك عند غيرك.
و لابد من التنبيه هنا إلى أن كثيرا من الناس ممن يغتاب، يبررون الغيبة، بأمور كثيرة، كالفضفضة، ولا أدري ماذا سيفعل له ذاك الذي يفضفض له؟!، بل قد يزيد من همه وغمه وحزنه، ثم إنك لك الله، وهو وحده القادر على أن يفرج كربك, وهو قريب جدا منك، لم لا تفضفض لله؟!، قد تقول إنك تريد النصيحة!، أحقا ذلك؟!، ...حتى ولو كنت تريد النصيحة منه، فهل كل الناس يحسنون النصح، ثم إن كنت تريد النصح حقا فللنصح أهله، ثم تذكر إن كنت تطلب النصح حقا فاذكر المفيد، و لا تتسلسل في الكلام .

وعموما أنت أعلم بنفسك، إن كنت تغتاب، أم تفضفض على حد زعمك.

النميمة خلق لاخير فيه لأنه يجمع بين الحسد والكذب والسعي نحو الفتنة والتفريق بين الناس .فاحذره.



يتبع ...

0 التعليقات:

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008