الأحد، 19 أبريل 2009

التوبــــــــــــــــــــة





باسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الأفضل لك أن تراجع حساباتك قبل موعد الرحيل حتى لا تفاجأ بأنه لا رصيد لديك و أنت في غربة و الكل مشغول بنفسه .

راجع حساباتك، و عد إلى الله ، و تب إليه، ما دام هناك بقية في عمرك .

إن كنت عاصيا، مقصرا تجاه ربك، فأسرع بالعودة، فالله في شوق كبير إليك!!


قال الله تعالى : وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)

و قال تعالى أيضا: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين

ربنا رحيم ودود يتحبب إلينا و نحن العصاة !!


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".

تصور معي لو أنك كنت أبا أو أما، و لديك أبناء، منهم الصحيح و منهم المريض، و منهم الغائب عنك، و منهم من لا يفارقك، قل لي، قلبك سيكون مع أي منهم ؟ ، و شوقك سيكون إلى أي منهم، سيكون طبعا للمريض و للغائب، كذلك حال الله مع العاصي الغائب المريض !. و لله المثل الأعلى .


وعن أبي موسى عبد الله بن قيسٍ الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " . رواه مسلم.


ويقول عليه الصلاة والسلام : قال الله تعالى : يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم ! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .


و قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال : لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال : عبدي عرف أن له ربا يغفر ويعاقب " .

هو الله ما أحلمه! ، و ما أرحمه!


عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد إذا اعترف ثم تاب تـاب الله عليه " .


قال عون بن عبد الله : « داووا الذنوب بالتوبة ولرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها » .


قال الشعبي : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ثم تلا : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " .


دعانا الله للتوبة في آيات كثيرة من كتابه الكريم؛ فقال تعالى :

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)


و قال : وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)


و قال : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)


و قال : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)


وقال أيضا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)


و قال كذلك : فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)

وقوله تعالى: (وَمَن يَعمَل سُوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً). سورة النساء: آية 110


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرةً رواه البخاري.

رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغفر! ، لم يبق لأي منا حجة !


كان الحسن يقول : « أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم ، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة ».


حاول أن تجتنب المعاصي قدر الإمكان؛ كان علي رضي الله عنه يقول: « جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة »، قيل : وما التعسر في اللذة ؟ قال : « لا ينال شهوة حلالا إلا جاءه ما ينغصه إياها » .


فمن مصلحتك إذا أن تجتنب المعاصي!، لا تحقر أي معصية ارتكبتها مهما كانت،

عن كعب، قال :" إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحقره، ولا يندم عليه، ولا يستغفر منه، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويعمل الذنب العظيم فيندم عليه، ويستغفر منه فيصغر عند الله، حتى يغفر له" .

فكر في ذنوبك، ولا تنظر إلى صغر الذنب بل انظر إلى من عصيت، إذا عصيت الله فقد عصيته، سواء أكان الذنب حقيرا أم عظيما ! .


عن الأوزاعي، قال: سمعت بلال بن سعد يقول:" لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت؟ " .

وعن عون بن عبد الله بن عتبة ، قال : " اهتمام العبد بذنبه داع إلى تركه، وندمه عليه مفتاح لتوبته، ولا يزال العبد يهتم بالذنب يصيبه، حتى يكون أنفع له من بعض حسناته".


يروى عن أبي خليفة، أن الحسن، كان مختفيا في داره، فانتبه أبو خليفة ذات ليلة والحسن يبكي : فقال له : ما أبكاك ؟ قال ذنب لي ذكرته فبكيت .

يبكي! ، و كما قال عون بن عبد الله : « قلب المرء التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها فالموعظة إلى قلوبهم سريعة وهم إلى الرقة أقرب » .


وقال أيضا : « جالسوا التوابين فإن رحمة الله إلى النادم أقرب » .


في الحقيقة كثير من الصالحين ينظرون إلى العصاة نظرة احتقار، و يحكمون على العصاة بأنهم من أصحاب النار؛ ولقد تعرفت في حياتي على عصاة يملكون صفات لا يملكها هؤلاء الصالحون!.

قد يكون في هؤلاء الذين ظهرت معاصيهم، و أقول ظهرت معاصيهم ؛ لأننا كلنا نعصى الله، غير أنا نعصاه سرا، أو أن الله سترنا فلم يظهر معاصينا لغيرنا!.

أقول قد يكون فيهم شيء من الشر البادي لنا طبعا!، و لكن فيهم من الخير ما لا نحب نحن أن نراه، أو نتغاضى عنه .

أحيانا تأتي إلى عاص بدت معصيته، فتكلمه عن الله، و تذكره به، تجده يكاد يموت حياء من ربه!، تلحظ الندم و الحزن في عينيه!، و قد يسعى ليظهر لك أنه لا جدوى من كلامك، أو أن كلامك هذا مجرد لغو!... فإذا ما سكت، تراه كأنه يريد أن يقول لك أرجوك لا تتوقف ! .

أما إن جئت لتذكر بعض من ظهر صلاحهم ، بالله، والذكرى تنفع المؤمنين على كل حال، تلحظ من خلال أعينهم أنهم يقولون لك، نحن أعلم منك، و قل هذا لغيرنا بل و ينافسونك في الوعظ و الإرشاد، و ذكر الأحاديث و الآيات و القصص و الحكم ...!

لا أدري لماذا لا ينظر إلى العصاة كما ينظر إلى المرضى بشفقة و حب و عناية، لما ينظر إليهم باستحقار، ونفور، من يراهم يسبهم و يلعنهم، أو يطردهم، ومن يتعامل معهم يسفه!، و يلحقه مما لحق هؤلاء !


و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما بالعصاة مشفقا عليهم، يحسن الظن بهم كثيرا؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا اسمه عبد الله يلقب حمارا كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنوه فو الله ما علمت أنه يحب الله ورسوله " .


قد ننظر في مجتمعنا إلى شاربي الخمر، أو إلى الزناة ، أو إلى القتلة، أو إلى السراق ببغض شديد، بينما لا ننظر إلى الذي يغتاب، أو يكذب، أو إلى النمام ...بالنظرة ذاتها!.

أليست تلك معاص أيضا؟!، ستقول لكن تلك المعاصي أشد، هذا صحيح، ولكن لا يدعونا هذا إلى أن نحتقرهم هكذا، لماذا لا نأخذ بأيديهم، لماذا لا نحاول أن نفهمهم، لماذا نظل نتكلم عليهم بالسوء، وأحيانا نخترع قصصا عنهم!، ألا ينبغي لنا أن نكف أفواهنا حين لم نفعل لهم شيئا !، و ندعهم و ربهم ! .


ذكر الأصمعي قال: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول:

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... بأنني رجل من ساكني النار

أيحلفون عن عمــــياء ويحهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار

قال: فأخبر بذلك الحسن، فقال: بالله إن نجا لينجون بهما.

وزاد بعضهم في ذلك:

إن الموالي إذا شـابت عبيدهـم ... في رقهم عتقوهم عتــق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرما قد ... شبت في الرق فأعتقني من النار .

لن تكون أبدا أكثر غيرة على الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المنزه، و أنت بطبيعة الحال أعلم بذنوبك ! .

وكما قال المطرز:

يا عبد كم لك من ذنب ومعصية... إن كنت ناسيها فالله أحصاها

ذكر أن عيسى عليه السلام: أوصى الحواريين فقال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، وإن القاسي قلبه بعيد من الله ولكن لا يعلم، ولا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، والناس رجلان؛ مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء في بليتهم، واحمدوا الله على العافية".


عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت قال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل .


و روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن امرأة من بني إسرائيل فقال : " بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها، فاستقت له به فسقته إياه ، فغفر لها به " .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال : أله توبة قال : لا، فقتله وجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي، فقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له " .

فغفر له !!، الأمر عند الله بسيط تاب ، فغفر له، لا داعي لنبش الماضي ،... ندم، صدق توبة، عزم على عدم العودة ، فمغفرة!! ... الأمر غاية في البساطة، سبحان الله .

و حتى إن عاد إلى المعصية فندم و... يغفر الله له، ليس مهما عند الله كم مرة عصيت و تبت، المهم عنده أنك تبت، إلا أن الخطر هنا، أنه قد تأتي مرة تعاود فيها المعصية، و لكن يسبقك الموت فتجد نفسك لم تتب! ، هنا المشكل، و هو أمر يجب أن تضعه في حسبانك دائما! .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الشيطان قال : و عزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب : و عزتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " .

لا مجال الآن، لقد أقسم الله!!


في الحقيقة، الذنب ليس عيبا!، وإن العيب أن لا تتوب و تستغفر ربك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " .

المهم فلنسارع فقط بالتوبة؛ قال الله تعالى : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)

المعنى العام لهذه الآية أن الله يتقبل منا التوبة ما دمنا على قيد الحياة، وليس معنى الجهالة هنا، عدم العلم، أو عدم القصد، بل أكثر من ذلك، معناها أيضا الضلالة، و هو معنى يدخل فيه من عصى الله عمدا ، أو عن غير عمد، بعلم أو بجهل .


وما أروع هذه الآية : قال تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)

الآية تشرح نفسها!، ويكفي الشعور الرحيم الذي يتسلل إلى قلبك وأنت تقرؤها !

المهم!!، علينا أن نعمل صالحا، و نستغفر، ونتوب إلى الله، لعل الله أن يحسن خاتمتنا، لا بد أن لا نغتر أبدا مهما عملنا صالحا، و لا نيأس إن عملنا سيئا، فلا أحد منا يدري بم يختم له.

عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قيل كيف يستعمله، قال يوفقه لعمل صالح قبل الموت .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة " .

عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .

لـــــذة النجـــــــــاح




باسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




ما من أحد جرب النجاح إلا وجد له لذة غامرة, تغشى صاحبها حتى تنسيه كل ما بذله وهو يسعى إليها, غير أن الذي قد لا يعرفه إلا من أدمن النجاح, وإعتاد الصدارة, هو أن دون كل نجاح عقبات, ومن ورائه تبعات...



هل تظن أن من نذر نفسه لغاية ينشدها ليست له مطامع تنازعه, ورغبات تشده إلى الوراء, أتحسبه لا يشتهي الراحة والدعة, والأكل حتى الشبع, والشرب حتى الري... إنه ليس آلة مبرمجة لا تحتاج إلا إلى (وقود التشغيل) و (الصيانة الدورية), كلا إنه إنسان من لحم وعصب, ويحب أن يأخذ من طيبات ما أحل الله كما يأخذ غيره, ولكن نفسه تواقة,وهمته سباقة, فليست تستغرقه ملاذه عن غاياته, ولا تشغله رغباته عن أهدافه, يقتنص الفرص, ويهتبل السوانح, ليصنع شيئا ترضاه نفسه الكريمة, ويطمئن له قلبه الوثاب, وقل أن يجتمع لمن هذه حاله راحة البدن وغفوة الجفن...


ولو لم يكن بعد ذلك إلا الرضا لكفى, فقد بذل وجهد جهده فلم يقدر له ما أراد, فهو كما يقول ابن زريق:


وإن تنل أحدا منــا منيتـه **** فما الذي في قضاء الله يصنعه؟!


إنه منطق يشبه منطق امرىء القيس وهو يودع أيام لهوه, ويجد في طلب ملك أبيه فيقول:


بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه **** وأيقن أنا لاحقان بقيصــرا


فقلـت لــــه لا تبــك عينـــك إنمـا ****نحاول ملكا أو نموت فتعذرا



إنه الوقوف على طريقين لا ثالث لهما...


فإما حياةٌ تسرُّ الصديق ****وإما ممات يغيظُ العِدى


وما أحسنَ قول عمرو بنَ الإطنابة


أَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَـلائِي **** وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيـحِ


وإِقْدامِي على المَكْـرُوهِ نَفْسِي ****وضَرْبِي هامَةَ البَـطَلِ المُشِيـحِ


وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ ****مَكانَكِ، تُحْمَـدِي أَو تَسْتَرِيحِي


لأُكْسِبَـــها مآثِــرَ صالِــحات **** وأَحْمِي بَعْدُ عن عِرْضٍ صَحِيح


بِــذِي شُطَب كمِثْلِ المِلْحِ صافٍ ****ونَفْسٍ مـا تَقِرُّ على القَبيـحِ



كلُّ راحةٍ تُلهيك عن غايتك فهي نَصَب، وكلُّ سكونِ بالٍ دونَ المرادِ فهو موتُ قلبٍ وإن تحركت الجوارح، وأرباب الهمم يستشرفون الفجر، فتحلو لهم مكابدةُ السهر، وفي الصباح يحمد القوم السرى ...



هذا عبد الرحمن الداخل لما قدمَ الأندلس أُهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلتُ عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلتُ بها عما أطلبه ظلمتُ همتي، ولا حاجة لي بها الآن. وردها على أصحابها.


لكنّ هذه الهمة التي حرمتْهُ لذةً تذوب لها النفوس، هي التي بلّغته مُلكاً أورثه عقبَه زماناً؛ بعد أن مزقتْ سيوف بني العباس ملكَ سَلَفِه !


جاء في ترجمة أبي مسلم الخراساني: من أكبر الملوك في الإسلام، كان ذا شأن عجيب ونبأ غريب، من رجلٍ يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب الدولة ويقيم دولة أخرى. قال عنه ابن خلكان: لم يُر ضاحكاً ولا مازحاً إلا في وقته.


لذةُ النجاح لا تكون إلا لمن كابده وتعنى له، أما من يلوك نجاح غيرِه فمحالٌ أن يَجِدَ له في حلقه طعماً، فدع ما مضى لمن مضى، وابحث عما عملت يداك لتنتشي بلذته، وآثر ثِمَادكَ (وهو القليل من الماء) الذي استخرجته يداك على بحرِ غيرك...


أكــدُّ ثِمادي وَالميـاهُ كَثيرَةٌ**** أُعالِـجُ مِنها حَـفرَها واِكتِدادَهـــا


وَأَرضى بِها مِن بَحرِ آخَرَ إِنَّهُ ****هُوَ الريُّ أَن تَرضى النُفوسُ ثَمادَها

الوفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء ... خلق النبلاء




باسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خلق الوفاء ... وهو الخلق الذي الذي لا يتحلى به إلا أهل النبل والكرامة ...
وقد حث الله تعالى المؤمنين على أن يتحلوا بهذا الخلق، وحذر من الخيانة و الغدر ، وهما ضد الوفاء

قال الله تعالى: " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً " الإسراء: 34.
وقال تعالى: " وَأًوْفُوا بِعَهْدِ الله إذا عَاهَدْتُمْ " النحل: 91.
وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " المائدة: 1
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " . متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " . متفقٌ عليه.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغادر ينصب له لواء يوم
القيامة فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره " . أخرجه البخاري
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « لا تغرنكم طنطنة الرجل بالليل - يعني صلاته - فإن الرجل كل الرجل من أدى الأمانة إلى من ائتمنه ، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده ».
قال عوف بن النعمان في الجاهلية الجهلاء : « لأن أموت قائما عطشا أحب إلي من أن أكون مخلافا لموعد » .
قيل لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة رضي الله عنه قال : « إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش ، وقد كان مني إليه شبيه بالوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، اشهدوا أني قد زوجتها إياه » .

عن الحسن بن عبيد الله ، قال : قلت لإبراهيم : الرجل يواعد الرجل الميعاد ولا يجيء، قال : « لينتظره ما بينه وبين أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء » .
يحكى أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام مر على حواء يطارد حية ليأخذها فقالت الحية يا روح الله قل له لئن لم يلتفت عني لأضربنه ضرباً أقطعه قطعاً، فمر عيسى عليه السلام ثم عاد وإذا الحية في سلته، فقال لها عيسى ألست القائل كذا وكذا، فكيف صرت معه، فقالت يا روح الله إنه حلف لي فلئن غدرني فسم غدره أضر عليه من سمي .
واسمع هذه القصة :
قصة الطائي وشريك نديم النعمان بن المنذر، وتلخيص معناها أن النعمان كان قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه.
وكان هذا الطائي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته وصغاره، فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في يوم بؤسه فلما رآه الطائي علم أنه مقتول وأن دمه مطلول، فقال: حيا الله الملك إن لي صبية صغاراً وأهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء من البلغة لهم، وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس وقد قربت من مقر الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الطوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعاً ثم أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره. فلما سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله ورأى تلهفه على ضياع أطفاله رق له ورثى لحاله، غير أنه قال له: لا آذن لك حتى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن علي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له:
يا شريك بن عــدي ... ما من الموت انهزام
من الأطفال ضعــاف ...عدموا طعم الطعام
بين رجوع وانتظــار ... وافتقــارا وسقام
يا أخا كل كـــريم ... أنت من قوم كـرام
يا أخا النعمان جــد ... لي بضـمان والتزام
ولـك الله بـــأني ... راجع قبل الظــلام
فقال شريك بن عدي: أصلح الله الملك، علي ضمانه فمر الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع، وشريك يقول: ليس للملك علي سبيل حتى يأتي المساء فلما قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهب للقتل. فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكون الطائي فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتد عدوه في سيره مسرعاً حتى وصل. فقال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، ثم وقف قائماً وقال: أيها الملك مر بأمرك فأطرق النعمان ثم رفع رأسه وقال: والله ما رأيت أعجب منكما أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً يقوم فيه ولا ذكراً يفتخر به، وأما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة ألا وأني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك!!!.

و قصة أخرى عن رجل من بني إسرائيل، سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار فقال له : ائتني بشهداء أشهدهم عليك فقال : كفى بالله شهيدا، قال : فائتني بكفيل، قال : كفى بالله كفيلا ، قال صدقت ، فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في البحر وقضى حاجته، وجاء الأجل الذي أجل له فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وكتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر فقال : اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني شهودا وسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بك، وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بحقه فلم أجد وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله، فإذا هو بالخشبة التي فيها المال فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة، فأخذها فلما قدم الرجل، قال له : إني لم أجد مركبا يخرج فقال : إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة فانصرف بالألف راشدا !!!.
ما رأيك الآن ؟!
هذا بعض ما جاء في خلق الوفاء!!!؛ ولا شك أنك لاحظت أن هذا الخلق ذو معنى كبير، و هو مرتبط بشكل كبير بالعهود و العقود، لا يعني ذلك المعاملات المالية فحسب، بل كل أمر قائم على عهد، فالصداقة عهد، و الأبوة عهد، والزوجية عهد، والقرابة عهد ...
والوفاء بهذه العهود، يعني أن تؤدي ما عليك من واجبات نحوها، و هذا معنى عام للوفاء .
هذا يعني أن الوفاء خلق يلازمنا دائما، ولابد لنا منه .
مع ذلك يتهاون كثير من الناس به، تهاونا كبيرا و ملحوظا؛
لنستذكر سويا بعض الأمثلة:
* قد يستدين أحدنا مالا، من شخص آخر، و هو إما ينوي رده، أو لا ينوي رده؛ فإن كان لا ينوي رده فهو سارق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تزوج امرأة على صداق وهو ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن أدان دينا وهو ينوي أن لا يؤديه إلى صاحبه أحسبه قال فهو سارق " .
فإن نوى رده، أتعب الدائن، وأرهقه، ولعله يكون قد استغنى، وهو بذلك يظلمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم ".

ولعل الدائن يسأله أن يرد إليه ماله، فيدعي أنه غير قادر، بينما هو يملك مالا يغطي الدين ويزيد، وليته يصرفه في الضرورات، بل ويصرف قيمة الدين في الملذات!!!، والدائن المسكين ينتظر متى يرجع إليه ماله !!! .
لا أظن أن هذا خلق ينم عن رجولة و شهامة!!!
ثم يلام بعد ذلك بعض الناس، بأنه بخيل ولا يسلف من ماله!!! .
يقال جاء رجل إلى آخر يستلف منه مالا، فقال له صاحب المال لن أسلفك حتى تقبل يدي! ... تعجب الرجل، وقال ما كل هذه الإهانة؟! ...فقال صاحب المال، لأني سأقبل رجلك لكي تعيد إلي مالي !!!
*مثال آخر؛ المواعيد ؛ كثيرا ما يتصرف الناس هذا التصرف، وهو أن يعد شخصا بملاقاته في مكان معين، و يتفقان على ذلك، ثم ماذا يحصل؟!، لا يحضر أحدهما ، بل و لعل كليهما لا يحضر!!!، ليس نسيانا للموعد، بل ... لكل عذره ولكن طبعا ليس النسيان !!!
*مثال آخر؛ يعد شخصا بأن يفعل شيئا ما لصالحه، أو حتى لغيره، ثم ماذا...لا شيء، ببساطة فهو إما أنه لم يكن ينوي أصلا فعله، أو لسبب آخر ...و طبعا ليس النسيان!!!
فكثير منا كما ترى وتسمع، يحسن التعاهد والتعاقد، ولكن لا يحسن الوفاء، حتى لم يعد بين الناس مكان للثقة التي هي أساس كل العهود والعقود، ولك أن تتصور كيف سيكون الوضع ...!!!
صرنا نسمع عن الوفاء ولا ندري ما حقيقته، لأنه لم يعد موجودا في حياتنا، إلا ما رحم ربي!، وإن وجد كان استثناء!!! .
هذا عن الوفاء بمعناه البسيط، أما بمعناه العام، فلا داعي للتطرق إليه، حتى نستوعب المعنى البسيط!!!
قد تقول لماذا؟ ... حاول أن تجيب عن هذه الأسئلة أو بعضها، لتعرف لماذا:
هل أنت وفي لأصدقائك؟، هل أنت وفي لوالديك؟، هل أنت وفي لعملك؟، هل أنت وفي لعلمك؟، هل أنت وفي لمن صنع لك معروفا؟، ... هل أنت وفي لله ؟.
وتذكر وأنت تجيب أن من معاني الوفاء، أن تؤدي ما عليك من واجبات، نحو كل واحد منهم .
قد تقول إذا كان الوفاء هكذا!!!، ويبدو من الصعب التخلق به ...!!!

لا تيأس؛ صحيح أنه يبدو صعبا، ولكن ما المانع من أن تتخلق على الأقل بالوفاء بمعناه البسيط، فأي صعوبة في ذلك؟، وتأكد أن تخلقك بهذا النوع من الوفاء سيمرنك للتخلق بالوفاء بمعناه العام .

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008