الأحد، 26 أبريل 2009


الحريــة الشخصيـة

باسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).



الحرية مفهوم شغل البشرية منذ القدم, فالجميع يسعى لتحقيقه والتمتع به, و على الرغم من إتفاقهم على أنه ضرورة إجتماعية فقد إختلفوا في تحديد مفهومه, فنجد الزنوج يطالبون بالحرية ونبذ التمييز العنصري, والمرأة من جهتها تطالب بالمساواة والتحرر من تسلط الرجل, كما نجدوا شعوبا بأسرها تناضل وتنادي بالحرية الإجتماعية والسياسية كما هو الحال في فلسطين والعراق وغيرها ...


أما بالنسبة لفئة الشباب فمفهوم الحرية لديهم يتخذ إتجاها آخر, فهم يرون أن الحرية هي فعل كلما يحلو لهم دون قيد أو ضابط, بمعنى الإنقياد وراء شهواتهم ورغباتهم من دون إعطاء إعتبار لأي مبدأ كان, فالمظاهر التي تصادفنا هاته الأيام في الشوارع خير دليل على ذلك, ومن هاته المشاهد:


إذا صادفت في طريقك شاب غريب الهيئة وفي رقبته عقد فقمت بنصحه فقال لك

(حرية شخصية)


إذا رأيت فتاة تمشي وشعرها وأجزاء من جسدها مكشوفة فنصحتها فقالت لك

(حرية شخصية)


إذا رأيت أحد يدخن سجائر فذكرته بأضرارها وحرمتها قال لك (حرية شخصية)


أيعقل كل هذا!!! هل هذا هو المفهوم الحقيقي للحرية الشخصية ؟؟أم هو إنحلال و تقليد للسموم التي بثها الغرب إلينا , فالحرية إن لم تكن لها ضوابط وقيود تحكمها أصبحت للفوضى والإنحلال أقرب.



ومن المعلوم أن الإنسان إذا أصبح عبدا لهواه فإن هذا الأمر سيدمره أكثر مما يبنيه, لذلك جاء ديننا الحنيف وجعل للحرية قيود وضوابط حتى لا تصبح أشبه بالفوضى, حيث وضع لنا منهاج خاص نسير وفقه, ألا وهو كتاب الله المقدس (القرآن الكريم) وسنة نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم)



حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ... كتاب الله وسنتي ..ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) صحيح الجامع للالباني



ويقول الله تعالى:{ فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}

ما نفهمه من هاته الآية أن الله عز وجل يأمرنا بالرجوع الى كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم في حالة التنازع والإختلاف.



وكما جاء في كتابه العزيز بعد قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}



وبالتالي هل يرفض عاقل أن يضع ضوابط الحرية خالق البشر الحي الذي لا يموت ,عالم الغيب والشهادة, له ما في السموات والأرض, بيده كل شيء....., ويقبلها من البشرالناقصين أصحاب الهوى؟!!



فلنحكم عقولنا كي نفهم الحرية على حقيقتها, الحرية التي تضمن لنا السعادة في الدنيا والآخرة, وهي أن نكرس حياتنا في عمل كلما يرضاه الله عز وجل كما جاء في كتابه الكريم بعد قوله تعالى:{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام 162_163



فليسأل كل منا نفسه هل حياته كلها لله؟ هل جعلها لطاعته؟ هل إمتثل لأوامره ؟ هل إتبع سنة نبيه الكريم؟

فإذا كانت الإجابة نعم فليحمد الله على هاته النعمة, أما إذا كانت الإجابة لا فليلحق نفسه قبل فوات الأوان قبل أن يجيء عليه وقت يندم فيه يوم لا ينفع الندم.


كتمان السر


باسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السر ...؟؟؟، ما أصعب حمله ، وما أسهل نشره ...!!!

قيل : وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال فإن الرجل يستقل بالحمل الثقيل، فيحمله ويمشي به، ولا يستطيع كتم السر.
وقيل: من أفشى سره أفسد أمره .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: " القلوب أوعية والشفاء أقفالها " ، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل إنسان مفتاح سره ".
وقال علي رضي الله عنه: " سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره، واعلم أن أمناء الأسرار أقل وجوداً من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال منيعة بالأبواب والأفعال، وإحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق ويشيعها كلام سابق.
فإذا أظهرت سرك فلا تلم أحدا إن أظهره هو الآخر، فأنت صاحبه لم تستطع الحفاظ عليه، فكيف ترجو هذا من غيرك ؟ .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " ما أفشيت سري إلى أحد قط، فأفشاه، فلمته إذ كان صدري به أضيق " .
وقال الأحنف بن قيس: يضيق صدر الرجل بسره، فإذا حدث به أحداً قال، اكتمه علي! .
وقال الشاعر:
إذا المرء أفشى سره بلســـانه ... ولام عليه غيره فهو أحمــــق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيق
وقال آخر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... وأفشته الرجال فمن تلوم
وإن عاتبت من أفشى حديثـي ... وسري عنـده فأنا الملوم .
وقال آخر :
ولست بمبد للرجال سريرتي ... ولا أنا عن أسرارهم بسؤول
فأنت في لحظة ما، تكشف سرك، ولا تضع في ذهنك، أنه قد يظهر، وماذا لو أظهره؟، أليس هذا هما جديدا يضاف إلى همومك الكثيرة؟، و قد تندم عليه، بل لا تدري لعل الذي أظهرت له سرك، يحسدك، أو يسعى لإفساد الأمر عليك، و لذلك كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود " .
ينبغي للواحد منا ألا يكشف أسراره، و لا أن يضطر غيره لكشف سره، و إذا ما كان لابد فاعلا، فلا يكشف، إلا ما إذا علم أنه لا يضره إذا انتشر، و ينبغي لمن ابتلي بحمل سر غيره أن لا يظهره لأي كان، ولا تقل إنما أكشفه لصديقي، و أنا أثق به، وإن كان صديقك فهذا لا يعني أن تفشي إليه سرك
! .

ضع في حسابك دائما تقلب الزمان، وما قد يحصل فيه من أمور قد تجعل من الصديق عدوا...!!

ويحسن بكل من عرف سر غيره أن يستره ولا يكشفه، بل ولينسى أصلا أنه أسر إليه يوما..
قال المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.

واحذر أن تكشف سرا مهما حصل، خاصة في لحظات الغضب أو العداوة ... فالكريم من لا يكشف سرا...




الخميس، 23 أبريل 2009


التطور التكنولوجي وإنتشار الفساد الإجتماعي



باسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تسعى جميع دول العالم (المتقدم منها والنامي( الى تطوير مظاهر العيش لمواطنيها, كي تضمن لهم معيشة سهلة ومريحة على ماكان عليه أجدادنا وأسلافنا سابقا, وهذا ما جعلها تواكب التطور التكنولوجي الحادث , غير أن هذا الأخير تحول الى شبح يهدد حياة أفرادها من جميع النواحي , على الرغم من إيجابياته الكثيرة , إلا أن سلبياته طغت على كل شيء, خاصة بالنسبة للعالم الإسلامي .

إن ما تذهل له العقول هو الفرق الشاسع بين استغلالنا نحن كمسلمين للتكنولوجيا, واستغلال الغرب لها, حيث يسعى الغرب إلى تحديث وتطوير كل ما هو موجود, ونسعى نحن للغوص في الاستمتاع بما هو موجود, وحبذا لو كان هذا الإستمتاع يدر من ورائه فائدة بل على العكس فهو يجر كلما فيه فساد و ضرر .......


إن استغلالنا السيئ لهاته التكنولوجيا أوقع علينا آثار وخيمة في مختلف مجلات الحياة, وأخص بالذكر العلاقات الأسرية التي تعتبر عنصر مهم في إستقرار الأسرة والمجتمع ككل .

ولكي تتضح الصورة أكثر إليكم بعض الأمثلة:


التلفــــــــــــــاز:



إنتشر هذا الجهاز في مجتمعاتنا بكل سهولة ويسر, حيث لا يوجد بيت يخلو منه , بل على العكس أصبحت معظم الأسر تقتني أكثر من جهاز في بيوتها, إضافة الى القنوات الفضائية المتعددة والمختلفة وما تعرضه من أفلام ومسلسلات وأفلام كرتون وغيرها من البرامج التي تبعث سموم خفية يغفل عنها كبيرنا قبل صغيرنا, وهنا يكمن الخطر فتلك السموم تهدد عقيدتنا وأخلاقنا وتؤثر حتى في تربية أبنائنا, حيث نلاحظ ذلك في تأثر أبنائنا بما يعرضه هذا الجهاز وتقليد كلما يشاهدونه من سلوكيات ومظاهر, حتى أصبح البعض يجعل الكثير من الفنانين قدوة له , إضافة الى إنشغالهم به عن عباداتهم و دراستهم و غيرها من الواجبات.....


الألعـــــــــاب:




تعددت وتنوعت الألعاب في عصرنا الحالي, فمنها الإلكترونية ومنها النارية , وألعاب الفيديو...., غير أن على الرغم من إختلاف أنواعها إلا أنها تتفق في شيء ما ألا وهو العنف فنجد هاته الأخيرة تحتوي على كم هائل منه لإحتوائها على معارك يندرج فيها عامل القتل مما يبث في الأطفال هاته الخصلة الذميمة , إضافة الى ذلك إحتوائها على صور دنيئة مخالفة لديننا الحنيف, تنزع الحياء والحشمة من أطفالنا,كما لا أنسى الجانب المادي , حيث نجد أثمان بعض أنواع هذه الألعاب باهضة للغاية مما يعجز الآباء عن توفيرها......


الهـــاتف النقـــــال:




على الرغم من إيجابياته الكثيرة , إلا أن وجود هذا الجهاز عند الأطفال والمراهقين , أو حتى بعض الشباب الطائش يشكل خطورة كبيرة يجهلها الكثير من الآباء, حيث أصبح معظم الشباب يتنافس في إقتناء أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال, وللهواتف النقالة أنواع عديدة منها الذي يتوفر على الكاميرا وآخر يحتوي على تقنية البلوتوث ومنها الذي يشمل هذا وذاك..... الخ , وفي ظل هذا التطور الكبير نجد شبابنا منغمس في كلما هو ضار وفاسد ومنافي لديننا الحنيف, ومثال على ذلك ملاحقة الفتيات من أجل التسلية واللهو, كإلتقاط صور لبعض الفتيات ونشرها فيما بينهم , أو نشر مقاطع فيديو خليعة بواسطة تقنية البلوتوث وغيرها من السلوكيات الدنيئة.....


الإنترنــــت:




إنتشر الإنترنت بصورة كبيرة , حيث أصبح عند العام والخاص, غير أن تواجده في معظم الأسر يمثل خطرا كبيرا عليها, خاصة إذا كان إستعماله عشوائي , من دون رقابة أو توجيه , ونجد أكثر فئة مرتبطة بالإنترنت هي فئة الشباب والمراهقين الذين يمثلون البنية الأساسية للمجتمع ككل, بالاضافة الى تجاوبهم الكبير بكل ما هو موجود في الانترنت, سواءا كان صالح أو طالح ( مواقع إباحية , ماسنجر , ....) مما ينعكس سلبيا على معتقداتهم الدينية وقيمهم الأخلاقية فيؤدي بهم الى الإنحراف .


وفي الأخيرا لا يسعني الا أن أقول أن الانفتاح الكبير الذي شهده العالم اليوم يجعلنا نكثف التحصين على أبنائنا وشبابنا , فهم أجيال المستقبل الذين سنعتمدوا عليهم في إدارة شؤون المجتمع, بإعتبارنا نحن الراعي وجب علينا ذلك

حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته)


ويتمثل هذا التحصين في تربية النشئ تربية إسلامية صالحة باتباع أساليب مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية, كالتحلي بالأخلاق الحميدة ( الصدق , التواضع, الحياء , الرحمة, التعاون.......) , غرس محبة الله ورسوله في قلوبهم , إضافة الى الجانب الإجتماعي كتدريب الأطفال على تحمل المسؤولية .........., ومن الناحية النفسية إشباع الطفل عاطفيا حتى لا يبحث عنه في الخارج...... والى غير ذلك من الأساليب المتعددة التي أصبحت اليوم لا تخفى على أحد منا , إنما ينقصنا الحرص والمتابعة المستمرة لأبنائنا, بمعنى تحمل المسؤولية كاملة وعدم تخلي الوالدين على تأدية أدوارهم على أكمل وجه.

لا تغضـــــــــــــــــــــب








باسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية حاول أن تجيب على هذه الأسئلة :
لماذا تغضب؟، ما الأمور التي تجعلك تغضب؟، ما الشعور الذي ينتابك عند الغضب؟، كيف تتصرف عندما تكون غاضبا؟، هل أنت سريع الغضب؟، ماذا تفعل لتهدئ من غضبك؟، ما هي المدة التي تستغرقها حتى تهدأ ؟، هل حاولت مرة السيطرة على غضبك؟، ما الشعور الذي ينتابك بعد مرحلة الغضب؟، هل سبق وندمت لغضبك؟، هل أسأت إلى أحد ما عندما كنت غاضبا؟، هل كان يمكنك أن تتفادى الغضب؟، هل ترى أن الغضب يمكن السيطرة عليه؟، هل تريد أن لا تغضب مرة أخرى؟ .

هذه بعض الأسئلة لتفكر فيها جيدا، ولتجيب عليها بكل وضوح !!!
إذا قررت أن تتخلص من هذا الخلق، فهذا قرار شجاع جدا !!!، وأنت بذلك تعترف بأن الغضب يمكن التخلص منه، بخلاف ما يدعيه بعض الناس من أنه لا يمكنه التخلص من هذا الخلق السيئ!، و في حقيقة الأمر هم بذلك يتبعون أهواءهم، فولا أن الغضب يمكن التخلص منه ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه؛ فعن حميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رجل يا رسول الله أوصني، قال :" لا تغضب "، قال: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله .
أتدري لماذا يجمع الشر كله؟!، فكر!!! ... عرفت الآن ... أجل !!!، ...أحسنت !!!
لتتصور أنك غضبان! ...اتفقنا! ...مظهرك مرعب! ...عيناك بارزتان! ...أوداجك منتفخة! ...مقطب الحاجبين! ...مشدود الأعصاب!...جسمك يرتعد!... يكاد رأسك يشتعل نارا! ... قلبك يلتهب احتراقا ... يختنق حقدا وغيظا!...تتلفظ بكلام لا يقوله أحقر الناس!... تضرب بيدك و رجلك! ...عقلك لم يعد معك!... أرأيت!!؛ هذا إن كان الغضب غير مركز!!!، أما إن كان الغضب مركزا، فقل أصبحت مجنونا!!! .
أتدري؟! ... من الناس من يرى إظهار الغضب رجولة، ومفخرة، تخيل! ...ومن الناس من يحب أن يذكر بين الناس بأنه سريع الغضب، أو أن غضبه شديد جدا، تخيل !!!
أعلم أنك لست منهم!، وأن هناك أمور تحصل تجعلك تغضب!، عفوا! ...هل لي أن أسألك ما طبيعة هذه الأمور؟!، ... دعني أحزر أولا! ...تغضب عندما ترى معصية!، أو عندما تنتهك حرمات الله!، إذا كان كذلك فيحق لك أن تغضب، ولكن غضبا لا يفقدك عقلك، و لا يجعلك أنت أيضا تعصي ربك!
ثم ألسنا نعصى الله في كل يوم، بل وفي كل حين، ألم تتساءل يوما، لماذا لا يخسف الله بنا الأرض جزاء لمعصيتنا له؟! ... فالله تعالى يطعمنا ويسقينا، و يهبنا من النعم التي لا تحصى، ثم نقابل ذلك كله بالجحود، أليس هذا يدعو للغضب.
أتعلم لم أقول هذا؟!، ...حتى إذا ما صادفتك معصية لا داعي لأن تسيء بحجة الغضب على حدود الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن ذلك منهجه، صحيح أنه كان لا يغضب إلا في ما يتعلق بحدود الله، وكان يظهر الغضب عليه، ولكن لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كلاما بذيئا، أو ضرب أو لطم أحدا، بل كان يصحح الخطأ بالحسنى، ولم يكن يوصله غضبه إلى حال يفقد فيها كل تركيزه حتى لا يدري ما يقول، أو حتى يندم على ما بدر منه .
هذا إن كان غضبك لله تعالى، أما إن كان غضبك لأمر آخر، فكل ما في الدنيا أحقر من أن يوتر أعصابك، أو يتعبك قلبك و بدنك!

فقد تغضب لأن أحدهم أساء إليك، أو أن تغضب لأن حاجتك ضاعت، أو أن طعامك لم يحضر في وقته المحدد، أو لم يكن لذيذا، أو أن أحدهم عصى أوامرك، أو تعطلت سيارتك وأنت في وسط طريق شبه خال، أو أن ....
نصيحة لك، الأمور التي لا دخل لك فيها، والتي هي بيد الله لا داعي لأن تغضب فيها، لأنك ببساطة تعترض عن الله عز وجل، و الحل فيها أن تصبر، وأن تتخذ الأسباب الممكنة لحلها، أما الأمور التي يمكن أن يكون لك حكم فيها، فليس الغضب حلا مثاليا لها، فهناك أمور يمكنك أن تستغني عنها، كقضية الطعام مثلا، فلا داعي للغضب، وخذ الأمر ببساطة، لم يحضر أو كان سيء الطعم، لا مشكلة، الحلول كثيرة، أقلها أن تظل من دون طعام، ما المشكلة في ذلك، فأنت تصوم رمضان، و لا تكاد تلتفت إلى الجوع، الآن فقط أصبح الطعام قضية مركزية! .

لنقل أن أحدهم عصى أوامرك؛ تذكر أنك تعصى الله أنت أيضا، فما أوامرك بأعظم من أوامر الله تعالى، وما عصيان أوامرك بأهول من عصيان أوامر الله!!!
إذا غضبت يوما، فتذكر قبح الغضب، ولعله قد يعينك في التعرف على قبحه ما جاء
من آثار :

عن وهب بن منبه، قال: قرأت في الحكمة: للكفر أربعة أركان: ركن منه الغضب، وركن منه الشهوة، وركن منه الطمع، وركن منه الخوف.
قال سهل بن عبد الله : الغضب أشد في البدن من المرض: إذا غضب دخل عليه الإثم أكثر مما يدخل عليه في المرض.
قال محمد بن منصور: ست خصال يعرف بها الجاهل: الغضب في غير شيء، والكلام في غير نفع، والعظة في غير موضعها، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد، ولا يعرف صديقه من عدوه.
وعن إسماعيل بن أبي حكيم قال غضب عمر بن عبد العزيز يوما، فاشتد غضبه وكان فيه حدة، وعبد الملك حاضر، فلما سكن غضبه، قال: يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله به وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب بما آري قال كيف قلت فأعاد عليه كلامه فقال آما تغضب يا عبد الملك فقال ما تغنى سعة جوفي إن لم اردد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء اكرهه.
و كخطوات عملية للتخلص من الغضب أو بعض آثاره؛ إليك ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية :
قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)

وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل، ثم قرأ قوله تعالى " والكاظمين الغيظ "، فقال لغلامه خل عنه.
حكي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أن غلاماً له وقف يصب الماء على يديه، فوقع الإبريق من يد الغلام في الطست، فطار الرشاش في وجهه، فنظر جعفر إليه نظر مغضب، فقال: يا مولاي " والكاظمين الغيظ " قال: قد كظمت غيظي، قال: " والعافين عن الناس " قال: قد عفوت عنك، قال: " والله يحب المحسنين " قال: اذهب، فأنت حر لوجه الله تعالى.

وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
قال مالك بن أوس ابن الحدثان: غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فكان عمر يقول " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فكان يتأمل في الآية وكان وقافاً عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل.

وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
قال عمر رضي الله عنه : ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.

وعن ابن عباس في قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن ) قال : الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا عصمهم الله وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم قريب .
وقال صلى الله عليه وسلم:" علموا ويسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وإذا غضب أحدكم فليسكت " .
وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا قال لا قال إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل أمجنونا تراني " .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " . متفق عليه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحب الناس إلى الله أنفعهم و أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا و من كف غضبه ستر الله عورته و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام و إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل " .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من جرعة أعظم أجرا عند الله، من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله" .
وعن أبي مسعود الأنصاري قال : كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا : " اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه " فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال : " أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار " .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الغضب والرضا " .
وكان الحسن يقول: من كانت له أربع خلال حرمه الله على النار، وأعاذه من الشيطان، من يملك نفسه عند الرغبة، والرهبة، وعند الشهوة، وعند الغضب.

وقال بكر بن عبد الله: لا يكون الرجل تقياً حتى يكون بطيء الطمع بطيء الغضب.
وقال مورق العجلي: تعلمت الصمت في عشر سنين وما قلت شيئاً قط إذا غضبت أندم عليه إذا ذهب عني الغضب.
وكان الشعبي يقول: « ما أورثني أبواي مالا أصلهما منه، ولا استفدت بعدهما مالا أصلهما به، ولكني أصبر على الغيظ الشديد، أكظمه ألتمس به برهما » .

ويقول الشاعر:
ليست الأحلام في حين الرضا ... إنما الأحلام في وقت الغضب .
خذ الأمر ببساطة، واكظم غيظك، واعف عن من أساء إليك و استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأحسن، لترغم الشيطان فلا يعود إليك مرة أخرى، والأفضل لك أن تصمت!، إن لم تتمكن من ذلك كله، وأن تصرف نفسك عن ذلك الموقف الذي أغضبك !.
و تذكر أنك كما تعامل الناس ستكون معاملة الله لك، فإذا أردت أن يعفو الله عنك و يسامحك و يغفر لك، فكن كذلك مع الناس، و الجزاء من جنس العمل!!!

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

لا تظـــــــــــــــــــــــــــــــــــلم!!!










باسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " .
أول ما نسمع بهذه الكلمة، يقع في أذهاننا أنا نعني بذلك أشخاصا آخرين، وكثير من الناس يعتقد أنه لم يظلم أحدا في حياته أبدا، ولكن بالتدقيق سيرى أنه قد مارس الظلم، وإن كان لا يراه ظلما!!!
يقال أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، هذا معنى؛ وبهذا المعنى هل تجزم بأنك تضع كل الأشياء في موضعها؟!، لا أظن ذلك! ...وبذلك تكون قد ظلمت ولو مرة في حياتك!!!
الكثير من الناس من يرى الظلم فقط أخذ مال من غير وجه حق، أو أن يتهم أحد تهمة من غير وجه حق، أو أن يقتل أحد من غير وجه حق... وهكذا
أما أن تغتاب فهذا ليس ظلما، أو أن تشتم هذا ليس ظلما، أو أن تقيد من حرية أحدهم فهذا ليس ظلما، أو أن تزعج أحدا بحجة الاحتفال، فهذا ليس ظلما، ...
لم يدر الناس أن الظلم معناه أن حقا ما من حقوقك، أو حقوق غيرك، قد منعته من استخدامه، أو قللت من فرص الاستفادة منه.
غير أن الناس يختلفون، فمنهم من يظلم ربه!، ومنهم من يظلم نفسه!، ومنهم من يظلم غيره ! .
جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الظلم ثلاثة، فظلم لا يتركه الله، وظلم يغفر، وظلم لا يغفر، فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد فيقتص الله بعضهم من بعض " .
إلا أن الظلم المشهور هو ظلم الناس، وهي العادة دائما، لا ننظر إلى عيوبنا، ونركز على عيوب الآخرين!!!
تأمل جيدا! ، ألا ترى أن ظلمنا للآخرين هو ظلم لأنفسنا، ثم ألا ترى أن ظلمنا لأنفسنا أشد من ظلمنا لغيرنا، و أنه لما ظلمنا أنفسنا هان علينا أمر ظلم الناس، فأنفسنا التي هي أغلى من أي شيء لم نتورع من ظلمها، فهل سيصعب علينا، أن نظلم غيرنا؟!.
قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ : مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ كَانَ غَيْرِهِ أَظْلَمَ ، وَمَنْ هَدَمَ دِينَهُ كَانَ لِمَجْدِهِ أَهْدَمَ .
قد تقول ما المقصود بظلم النفس؟!، ... جيد!، هل ترى أن لنفسك عليك حقا؟!، إذا كنت ترى ذلك، وليس لك إلا أن ترى ذلك!...، فاعلم أن منعك إياها من أي حق من حقوقها ظلم لها، وأكبر ظلم لها أن تمنعها من أن تطيع ربها!!!
فمن يظلم نفسه فغير مستبعد أن يظلم غيره، وتوقع ذلك منه في أي وقت !!!
حسنا...!!!، دعنا من ظلم النفس، ولنتجه إلى ظلم الناس، وهو كما سبق وذكرنا الظلم الأكثر اشتهارا، وليس الأكثر انتشارا...!!!
بداية، ما رأيك في الظالم؟، ...أعلم ما ستقول؛ إنه ...!!!، وهو كذا...!!!، و سلط الله عليه كذا وكذا، ...
فهمت ...!!!
لماذا دائما نسب الظالم؟، و لماذا نحب أن ندعو عليه؟!... أليس مسكينا؟!، أليس ضعيفا؟!، أليس جبانا؟!، أليس مريضا؟! ، لم لا ندعو له بالشفاء بدل الدعاء له بالموت والهلاك؟، المسكين إنه ضعيف جدا حتى أنه أطاع الشيطان، وجبان حتى أنه أراد أن يظهر شجاعته بسرقة حق غيره من الذين ليس لهم نصير إلا الله!!!؛ كان معاوية يقول: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصراً إلا الله.
أليس كل هذا الهم الذي هو فيه كاف؟، فهو مسكين دائم التوتر؟، كثير الخوف؟...
ألا يكفي هذا المسكين بغض الله له؟؛ إذ قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
ألا يكفيه بغض الناس له، و ابتعادهم عنه، ألا يكفيه أنه يشعر بالوحدة دائما، ...
ألا يكفيه أن الله ليس غافلا عنه، إذ قال الله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ".
ألا يكفيه أنه ملعون؛ إذ قال الله تعالى: " ألا لعنة الله على الظالمين " هود: 18
ألا يكفيه أنه الظلمات من نصيبه يوم القيامة؟!؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " .
ألا يكفيه أن الله إذا أخذه لم يفلته؟!، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "، ثم يقرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ) الآية .

ألا يكفيه أن الذين ظلمهم سيأخذون من حسناته يوم القيامة حتى يفلس؟!!؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام في أرض العرب ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات يوم القيامة اتقوا الظلم ما استطعتم فإن العبد يجيء بالحسنات يوم القيامة يرى أنها ستنجيه فما زال عبد يقول يا رب ظلمني عبدك مظلمة فيقول امحوا من حسناته وما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة من الذنوب وإن مثل ذلك كسفر نزلوا بفلاة من الأرض ليس معهم حطب فتفرق القوم ليحتطبوا فلم يلبثوا أن حطبوا فأعظموا النار وطبخوا ما أرادوا وكذلك الذنوب " .
ألا يكفيه أنه إن لم يتب سيكون مصيره إلى النار و بئس المصير؟!!!، إذ قال تعالى: " إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها " الكهف: 29 .
ألا يكفيه ما سيلقونه من عذاب؛ إذ قال الله تعالى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
ألا يكفيه أنه لا يفلح أبدا؛ إذ قال تعالى: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
ألا يكفيه أن الله قد توعده؛ فقال تعالى: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء: 227 .
ألا يكفيه كل هذا؟!، أو لا يحتاج منا نوعا من الشفقة؟!
قيل لبعضهم: ادع الله على ظالمك، فقال: ما ظلمني أحد، ثم قال: إنما ظلم نفسه، ألا يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شراً.
ثم قل لي بربك! ما الذي يخسره المظلوم؟، فهو قد سلب منه حقه، و ضاع عليه الكثير من الخير، وقيدت حريته، ولكن أليس الله جل جلاله نصيره؟!، أليست دعوته مستجابة؟!، وليس بينها وبين الله حجاب؟!، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " .
أليس الله من يتولى استرجاع حقه؟!، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " .

وعن جابر قال لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة قال فتية منهم بلى يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم .
وقال وهب بن منبه: بنى جبار من الجبابرة قصراً وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه فركب الجبار يوماً وطاف حول القصر فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوماً، فقالت: من هدمه فقيل: الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت: يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال: فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه.
ومما نقل في الآثار الإسرائيلية في زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه، أن رجلاً من ضعفاء بني إسرائيل كان له عائلة وكان صياداً يصطاد السمك و يقوت منه أطفاله وزوجته، فخرج يوماً للصيد فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم أخذها ومضى إلى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله، فلقيه بعض العوانية فرأى السمكة معه فأراد أخذها منه فمنعه الصياد، فرفع العواني خشبة كانت بيده فضرب بها رأس الصياد ضربة موجعة وأخذ السمكة منه غصباً بلا ثمن فدعا الصياد عليه وقال: إلهي جعلتني ضعيفاً وجعلته قوياً عنيفاً، فخذ لي بحقي منه عاجلاً فقد ظلمني ولا صبر لي إلى الآخرة، ثم إن ذلك الغاصب الظالم انطلق بالسمكة إلى منزله وسلمها إلى زوجته وأمرها أن تشويها فلما شوتها قدمتها له ووضعتها بين يديه على المائدة ليأكل منها ففتحت السمكة فاصا ونكزته في أصبع يده نكزة طار بها عقله وصار لا يقر بها قراره فقام وشكا إلى الطبيب ألم يده وما حل به فلما رآها، قال له: دواؤها أن تقطع الأصبع لئلا يسري الألم إلى بقية الكف، فقطع أصبعه فانتقل الألم والوجع إلى الكف واليد وازداد التألم وارتعدت من خوفه فرائصه فقال له الطبيب ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد فقطعها فانتقل الألم إلى الساعد فما زال هكذا كلما قطع عضواً انتقل الألم إلى العضو الآخر الذي يليه فخرج هائماً على وجهه مستغيثاً إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به، فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم عندها فنام فرأى في منامه قائلاً يقول: يا مسكين إلى كم تقطع أعضاءك امض إلى خصمك الذي ظلمته فارضه، فانتبه من النوم وفكر في أمره فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد، فدخل المدينة وسأل عن الصياد وأتى إليه فوقع بين يديه يتمرغ على رجليه وطلب منه الإقالة مما جناه، ودفع إليه شيئاً من ماله وتاب من فعله فرضي عنه خصمه الصياد فسكن في الحال ألمه وبات تلك الليلة فرد الله تعالى عليه يده كما كانت ونزل الوحي على موسى عليه السلام: " يا موسى وعزتي وجلالي لولا أن ذلك الرجل أرضى خصمه لعذبته مهما امتدت به حياته " .
وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده قال: يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس فقال: يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها .
أليس في صبره على الظلم تكفير لذنوبه؟!، أليس ذنوبه ترد على ظالمه يوم القيامة؟!، إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أن ينجو بها فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة فيؤخذ من حسناته فيعطى المظلوم حتى لا تبقى له حسنة ثم يجيء من قد ظلمه ولم يبق من حسناته شيء فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته " .
أليس إن تغاضى عن ظلم الظالم إلا أعز الله نصره؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " يا أبا بكر ! ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة " .
أليس صبرك على ظلم الظالم، يدخلك الجنة؛ قيل مر رجل برجل قد صلبه الحجاج، فقال يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي على الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين!!!.
ماذا يرجو المظلوم أكثر من ذلك؛ أليس هو الرابح؟!
فلا داعي إذا أن ندعو على الظالم، بل قل اللهم اصرف عني شره، و ادع له بالرشد و الهداية، أليس مسلما؟!.
ثم ألا ينبغي لنا أن ننصر الظالم كما ننصر المظلوم؟! ... لا تتعجل!؛ فعن أنس رضي الله عنه قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟، قال : " تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه " . متفق عليه

وقال أيضا: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا بيده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
إذا نمنع الظالم عن ظلمه قدر استطاعتنا، ولا نكون عونا له أبدا؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل : "من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع" .
قد يقول أحد ما؛ ولكن قد لا نأمن بطش الظالم! .
بطش الظالم؟!؛ ومن يكون هذا الظالم؟!، آه...!!!؛ أتقصد ذلك البشر الذي لا يملك من أمر نفسه شيئا!، حتى أنه إذا نام الليل لا يدري ما قد يحصل له في الصباح!، والذي إذا أخذ منه الذباب شيئا لا يقدر أن يسترده منه!، لا شك أنك تمزح!، كيف تخاف بطشه، ولا تخاف بطش ربك بإعانتك له على الظلم؟!، ...إلا إذا كنت تريد التشفي من المظلوم أنت أيضا؛ فذاك أمر آخر، فأنت أخبث منه في هذه الحال !!!
على كل أذكرك أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ببساطة لأن لله الأمر دائما !!!.
اسمع هذه القصة لعلها تؤكد لك أن الظالم لا قدرة له على أي أحد إلا بإذن الله؛
رفعت رقعة استعطاف لأم رجل مسجون، كان المنصور اعتقله حنقاً عليه لجرم استعظمه منه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، ورمى الورقة إلى وزيره المذكور، وأخذ الوزير القلم وتناول الورقة وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرطة، فقال له المنصور: ما هذا الذي تكتب قال: بإطلاق فلان، فحرد، وقال: من أمر بهذا فناوله التوقيع، فلما رآه قال: وهمت، والله ليصلبن، ثم خط على التوقيع، وأراد أن يكتب " يصلب " فكتب " يطلق " ، فأخذ الوزير الورقة، وأراد أن يكتب إلى الوالي بالإطلاق، فنظر إليه المنصور وغضب أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا فناوله التوقيع، فرأى الخط، فخط عليه، وأراد أن يكتب " يصلب " فكتب " يطلق " ، وأخذ الوزير التوقيع وشرع في الكتابة إلى الوالي، فرآه المنصور فأنكر أكثر من المرتين الأوليين، فأراه خطه بالإطلاق، فلما رآه عجب من ذلك، وقال: نعم يطلق على رغمي، فمن أراد الله سبحانه إطلاقه لا أقدر أنا على منعه !!!.
أرجو أن تستوعب هذا الكلام جيدا من فضلك !!!
من المهم جدا أن أذكرك بأن الظلم هو الظلم، و عاقبته وخيمة كما علمت، فلا تستبسط أخذ ما ليس لك مهما كان هذا الشيء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أيما رجل ظلم شبرا من الأرض ؛ كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ثم يطوقه إلى يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " .

وقال أيضا: " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة و إن كان قضيبا من أراك " .
أترى: شبرا من الأرض، وقضيبا من أراك، قد تحتقر ذلك، ولكنك أخذت ما ليس لك دون رضا صاحبه، أفهمت، دون رضا صاحبه ؟! .

أما أنت أيها المظلوم، أو يا نصير المظلوم، لا داعي أن تدعو على الظالم، علمك نفسك أن تكون سليم الصدر من الأحقاد، وبدل أن تدعو عليه، أدع له، ببساطة لأنه أخوك المسلم !!!، قد تقول إنه يظلمني، حقا!، ما الذي تستفيده لو دعوت عليه، سوى أنه سيصيبه السوء، وما الذي ستخسره لو دعوت له، ستنالان الخير كليكما، قد تقول؛ إنه لا يستحق، وما أدراك أنه لا يستحق، فكم من ظالم طغى بظلمه، ثم تاب إلى الله و غفر الله له .
كذلك أذكرك إذا رد الظالم إليك مظلمتك، واعتذر إليك، فسامحه و أحلله، ولا داعي لأن تكون عونا للشيطان عليه؛ أحلله، فلا تدري قد تقوم مقامه في يوم ما، لا تستبعد ذلك، ففي الدنيا العجائب كما تعلم !!!
وقيل لبعضهم في شيء قد كان سرق له: ألا تدعو على ظالمك!، قال: ما أحب أن أكون عوناً للشيطان عليه، قيل: أرأيت لو رد عليك؟، قال: لا آخذه ولا أنظر إليه لأني كنت قد أحللته له.
تعلم أن تكون سليم القلب، و أن لا تكره الناس لذواتهم بل تكره منهم أفعالهم، فما الناس إلا أفعال !!!، لا أشكال و قوالب!!!

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008