الثلاثاء، 14 أبريل 2009

الصــــــــــحة و الفـــــــــــراغ





باسم الله الرحمن الرحيم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بداية هنيئا لك الصحة، وأنت هنيئا لك أن وجدت وقت فراغ ! .
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ » . معنى مغبون فيهما أي مخدوع فيهما، و ذو خسران فيهما ! .
ترى لماذا؟، ماذا سيخسر من أوتي الصحة و الفراغ؟ .
الصحة و الفراغ نعمتان قليل أصحابهما،
قال ابن عيينة: "من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور".
و النعمة تستحق الشكر، و شكر النعم أن تجعلها في ما يحب الله عز وجل، و سيسألك الله عن ذلك! .
قال علي رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم "، هو الأمن والصحة، والعافية .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد ؟ " .

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " يسأل الله العباد عن الأبدان والأسماع والأبصار فيم استعملوها وهو أعلم بذلك" .
قال ابن القيم: " ... ولما كانت الصحة والعافية من أجلّ نعم الله على عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه ، بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق ، فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما يضادها ".
كثير من الأصحاء يظنون في حال صحتهم أن هذه الحال ستدوم، و لا يضع في حسابه إمكانية تغير حاله هذه ،فلا يغتنم صحته في عبادة الله، وفي التقرب إليه، و كذلك كل من كان له وقت فراغ .
اسمع قول الشاعر :
لَا تَنْسَ فِي الصِّحَّةِ أَيَّامَ السَّقَمْ... فَإِنَّ عُقْبَى تَارِكِ الْحَزْمِ نَدَمْ .
و اسمع لقول الآخر :
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ ... فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ... ذهبت نفسه العزيزة فلته
قل لي بصراحة، كم مضى عليك من يوم كنت تتمتع فيه بالصحة، أو وجدت فيه وقت فراغ؟، هل اغتنمت ذلك فأكثرت من السجود، أو قرأت آيات من كتاب الله، أو حفظت بعض آيات منه، أو سعيت لتقضي حاجة أخ لك، أو تعلمت حرفة ما، أو تعلمت شيئا ما فيه فائدة لك؟، أو جلست فيه مع والديك و أهلك تؤنسهم و تأنس بهم؟، تفيدهم و تستفيد منهم، هل فعلت شيئا من ذلك ؟.
َقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ .
أم تراك أيها المؤمن بالله قضيت يومك في اللهو؟، أو في اللغو؟، أو في التجوال هنا وهناك هائما؟!، ألم تسأل نفسك يوما ماذا أفادك ذلك؟، ... لا أظن أن ذلك أفادك بشيء سوى بالهم و الحزن و الاكتئاب، و الكثـير الكثير من المشاكل ...!!
قال الشاعر :
لقد هاج الفراغ عليك شغلا ... وأسباب البلاء من الفراغ .
أليس هذا صحيحا !! .
انظر إلى الشوارع و الأزقة، و الأسواق تختنق بالفارغين!، يغتابون، يعاكسون، يأكلون ويشربون، ثم ينامون، أو يستعمرون بيوتهم فلا يخرجون ولكنهم يتربعون على شاشات التلفاز اليوم كله، قد يتابعون أخبار العالم!، يشاهدون الأغاني و المسلسلات!، لا يفوتون مباريات كرة القدم!، و يحرصون أن لا تفوتهم! .
ولعلك تنصحه أن يحمل المصحف فيرتل بعض الآيات، فيتعلل بأنه لا يجد له وقتا !، أو تنصحه بأن يشاهد على الأقل برنامجا مفيدا،فيتعلل بأنه إما أنه لا يجد له وقتا، أو أنه يخشى فوات برنامجه المفضل !! .
المهم! تذكر أيها الإنسان نعمة الصحة التي تنعم بها، فغيرك لم يتذوق طعمها يوما!، يومه كله ألم، طعامه الدواء المر، ليله كنهاره، لا يعرف طعما للطعام اللذيذ، ولا طعما للنوم المريح، أهله الأطباء، و مسكنه المستشفى، كل من حوله حزين ...يتألم و يبكي !!!
فإن كنت مبصرا، فغيرك أعمى، و إن كنت تسمع دبيب النمل، فغيرك لا يسمع، و إن كنت تنطق فغيرك لا ينطق، و إن كانت لك يدان و رجلان فغيرك لا يملكها.
يسمونهم ذوي الاحتياجات الخاصة ، فإذا ما غلبوا الإعاقة كان واجبا علينا أن ندعوهم بذوي القدرات الخاصة!، هم يستحقون هذه التسمية بجدارة؛ فأن يفعل ما عجز عنه صحيح مثلك له عينان و لسان و أذنان و يدان و رجلان، فهذا أمر غير يسير !!!
هؤلاء الناس يشعرونك بأنك لا تستحق تلك الصحة التي تنعم بها و لا تؤدي حقها، و أنه ينبغي أن تتخلى عنها لمن يؤدي حقها غيرك أنت!.
إلا أنه في الحقيقة كثير من المرضى مع معاناة المرض يزيد على ذلك فوات أجر الصبر على المرض!، تجده يتذمر، يشكو ، لا تسمع منه كلمة حمد لله، و لعله نسي أو تناسى أن مرضه هذا له خير، ولو لم يكن إلا مانعا له من ارتكاب بعض المعاصي لكفاه! .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا .
و قال أيضا عليه الصلاة والسلام :َ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ انْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ .
و قال أيضا : إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته : يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي فإن أقبضه أغفر له وإن أعافيه فحينئذ يقعد ولا ذنب له .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلي " .
و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم السائب فقال : " مالك تزفزفين ؟ " . قالت : الحمى لا بارك الله فيها فقال : " لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " .
و قال أبو معمر الأزدي : كنا إذا سمعنا من ابن مسعود ، شيئا نكرهه سكتنا حتى يفسره لنا، فقال لنا ذات يوم: ألا إن السقم لا يكتب له أجر فساءنا ذلك وكبر علينا، قال : ولكن يكفر به الخطايا ، قال : فسرنا ذلك وأعجبنا .
وكان قيس بن عباد ، يقول : « ساعات الوجع يذهبن بساعات الخطايا » .
يدعي بعض المرضى أنهم يصبرون، و لا أظن ذلك، فليس معنى الصبر أن لا يتذمر الإنسان أو أن لا يشكو، بل أتصوره معنى أكبر من ذلك، هو رضا مع حب مع يقين مع أمل، و كلما قال الإنسان لم أعد أطيق صبرا، كانت تلك بداية الصبر!
عن خالد بن دريك ، قال : « لما ابتلي أيوب عليه السلام بما ابتلي به، قال لنفسه: قد نعمت سبعين سنة، فاصبري على البلاء سبعين سنة » .
لذلك يقال صبر أيوب! .

دعنا من أيوب عليه السلام، و إليك قصة عروة بن الزبير؛ ، عن الزهري ، أن عروة بن الزبير ، لما وقعت الأكلة في رجله فقيل له : ألا ندعو لك طبيبا قال : « إن شئتم فجاء الطبيب فقال : أسقيك شرابا يزول فيه عقلك فقال : امض لشأنك ما ظننت أن خلقا شرب شرابا يزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه قال فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا حسا فلما قطعها جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت لقد عافيت قال : وما ترك جزأه بالقرآن تلك الليلة .
ثم إن مما يزيد من مرض المريض، ويزيد من حزن أهله عليه زائر ثقيل، يطيل الجلوس في غير مصلحة ويسيء الكلام! ... هذا أشد من المرض على المريض !! .
عن الشعبي ، قال : « عيادة توخ للقرى أشد على أهل المريض من مريضهم يجيئون في غير وقت العيادة ويطيلون الجلوس »
عن أبي العالية ، قال : دخل عليه غالب القطان يعوده فلم يلبث إلا يسيرا حتى قام فقال أبو العالية : « ما أرفق العرب لا تطيل الجلوس عند المريض فإن المريض قد تبدو له حاجة فيستحي من جلسائه » .
في الحقيقة لا يعني هذا أني أدعو إلى عدم عيادة المريض، ليس كذلك، كيف و الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها.
و لكن لا بد أن يحسن العيادة، فيصبره، و يسليه، و يدعو له بالشفاء، ثم ينصرف و شكر الله له سعيه! .
قال الرسول عليه الصلاة و السلام : من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض .

غير أن الناس يفعلون خلاف ذلك!، لقد جعلوا من المرض مناسبة ليلتقوا فيها مع بعضهم ليتبادلوا أطراف الحديث، وليته كان حديثا مفيدا، إنه كلام فارغ تماما، و المريض المسكين بجانبهم يتألم، و يسعى جاهدا أن لا يؤذيهم بأنينه، و هم لا يبالون، و لعله يريد أن يقضي حاجته فيتحرج، و تراهم قاعدون يتكلمون، و يأكلون ..!!
من المهم جدا في هذا الصدد أن يعرف المريض أن الشفاء بيد الله وحده ، و ما الدواء والطبيب إلا أسباب، وحده الله يعلم أيام صحتك و أيام مرضك، ووحده من ينبغي أن تتجه إليه ليشفيك، دون أن تنسى اتخاذ الأسباب.
و تذكر قول الشاعر :
قال ابن حجر :
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة * * ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انقضت أيـام مدته * * حار الطبيب وخـــانته العقاقير .
ثم لا يجعلك سعيك للشفاء أن تتبع طرقا ممنوعة، كالذهاب مثلا إلى السحرة أو المنجمين، أو المحتالين ممن يدعي العلاج بالرقية !، أو تناول ما حرم عليك بدعوى الضرورة، فالله لم يجعل الدواء فيما حرمه، إلا أن الشيطان الرجيم يستغل فرصة مرضك و حبك للشفاء فيزين لك المحرم حتى ترتكبه؛ فانتبه رحمك الله .
على كل حال؛ إن كنت مريضا فاصبر لأن في ذلك تسلية لنفسك، و تخفيفا عن أهلك و أحبابك، و حتى لا تشمت عدوك فيك ! .

وهي فرصة لك أيها المريض كي تراجع حساباتك مع ربك، وفرصة للصحيح كي يعتبر بك ، وتذكر أن المرض لا يعني بداية العجز وبداية العذاب ... إنه على خلاف ذلك تماما ... إن المرض فرصة لتقترب من ربك أكثر وأكثر ...

أما أنت يا من تتمتع بأوقات الفراغ الطويـــــــــلة تذكر اللحظة التي سيسألك الله عن وقتك فيما قضيته ، وكيف أمضيته ...ضع ذلك أمام عينيك دائما حتى لا تقف موقفا لا تحسد عليه أمام ربك .

لنشغل أوقاتنا بما يفيدنا ... بقراءة القرآن وحفظه مثلا ... بالذكر وبالتسبيح ...زيارة الأقارب ... مساعدة المحتاجين... مساعدة الأهل في أعمال البيت ... تعلم بعض الحرف ...ممارسة الرياضة... والكثير الكثير من مجالات الخير ...
إن الضياع الذي يشعر به الكثير من الناس و خاصة الشباب منهم ، أنهم يرون أنفسهم ضائعين وتائهين ولا قيمة لهم ... لأنهم لم يضيفوا شيئا مهما إلى الحياة فصاروا كأنهم زائدين عنها ...وبمعنى مختصر يشعرون بأن حياتهم بلا معنى، فلو يتطفن الشباب إلى استغلال أوقات فراغهم بكل ما يفيد لوجدوا أنفسهم أفضل حالا ... لأنهم سيكونون قد تعلموا الكثير من أمور الدين و الدنيا ... وحينها سيشعرون بوزنهم وقيمتهم .

صحيح أن الأمر صعب كي ترغم نفسك على العمل و الجد ... لأن النفس بطبيعتها تميل إلى الراحة ... ولكن حاول معها دائما حتى ترغمها على العمل و الجد ... وتأكد أنك ستستمتع في النهاية بما وصلت إليه ، وستشعر بنفورك من الراحة لأنها تذكرك بأنك عاجز وضعيف وتافه إلى درجة ما .












0 التعليقات:

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008