الاثنين، 11 مايو 2009

....ليتنا كنا نملا





باسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تصادفنا في كثير من الأحيان أسراب النمل,ذلك المخلوق المنظم العجيب, المنتشر هنا وهناك, غير أنه لكونه من الحشرات نجد أن نظرة الكثير منا له نظرة سطحية, بمعنى أنه شيء تافه لا يستحق أن نعيره أي إهتمام, فلو تأملناه جيدا وتابعنا سلوك حياته ستتغير نظرتنا تماما, وسنتمنى لو أننا فعلا نمل.

لقد ورد في القرآن الكريم ذكر النمل , حيث جاءت سورة كاملة باسمه ( سورة النمل ) , وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على قيمة النمل العظيمة حيث قال تعالى :
{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 17-19].

تروي هاته الآيات قصة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام مع النملة , ولو تأملنا جيدا في هاته الآيات لوجدنا فيها عدة عبر وفوائد عجيبة إليكم بعضا منها:

تأملوا معي جيدا هاته الجملة (يا أيها النمل) نلاحظ هنا أن خطاب النملة جاء للجميع , بمعنى أنها راعت في خطابها المصلحة الجماعية دون إعطاء إعتبار لأي شيء آخر, أي أنها لم تقتصر في ندائها على عشيرتها أو المقربين منها من النمل أو تنجو بنفسها وحدها دون أن تبالي بغيرها, نجد هنا أن المصلحة الجماعية طغت على جانب الأنانية لدى هاته النملة, فأين نحن كبشر من هذا كله فالكثير منا في وقتنا الحاضر يسير على مبدأ انا وبعدي الطوفان فكل همه على نفسه دون أن يعطي أدنى إهتمام لغيره......

إن تصرف النملة هذا جاء بناءا على ثقتها الكبيرة بنفسها, فهي رأت أن من واجبها تحذير قومها من هذا الخطر, مما جعلها تعقد همتها من دون هيبة أو إنتقاص لشأن نفسها ( أي أنها لم تقل في نفسها كيف وأنا بمفردي أستطيع إنقاذ الجميع), خصوصا وأن جيش نبي الله سليمان عليه السلام كان كبيرا, فهي لم تضعف أو تستسلم.

إضافة الى ذلك إحساسها بالمسؤولية إتجاه مجتمعها, كان له دافع كبيرا كذلك, مما جعلها تبادر بتحذير النمل دون أن تنتظر الآخرين أو أخذ الإذن منهم.

على الرغم من أن مرور نبي الله سليمان عليه السلام وجيشه على واد النمل كان فجأة , إلا أن النملة تمكنت من إيجاد الحل بفطنة ويقظة (أدخلوا مساكنكم) , فهي لم تكتفي بالنداء والتحذير فقط بل قدمت الحل كذلك بسرعة بديهة وذلك لكون الموقف حرج ولا يحتمل التأخير, وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تحليل الأحداث والتأمل في العواقب (لا يحطمنكم) أي أنها بتركيزها وفطنتها إستطاعة التنبؤ بالعواقب....

كما نجد أن النملة في هاته القصة العظيمة قد أحسنت الظن بالنبي سليمان وجنوده, و إلتمست لهم العذر في موقفهم هذا, (وهم لا يشعرون) فهي تيقنت أن الموقف جاء صدفة دون قصد, فإبتسامة نبي الله سليمان لها خير دليل على ذلك فهي تفيض عطفا وحنانا وتخفف من شدة الموقف وتعيد الأمن والسلام لهم (النمل).

على الرغم من كل هاته الصفات العظيمة التي تتحلى بها هاته النملة , فقد أثبتت دراسات وأبحاث العلماء على هذا المجتمع العجيب عدة صفات أخرى نذكر منها:

ذكر باحثان بريطانيان أن أسراب النمل حين يعترضها في طريقها بعض الحفر تضحي بالبعض منها في سبيل الباقين, حيث يعمد بعضها الى التمدد داخل الحفر حتى يصبح المسار أكثر إنسيابية لبقية السرب, وتوصل الباحثان الى أن نوعا من النمل يعيش في أمريكا الوسطى والجنوبية يختار أفرادا من السرب يناسب حجم أجسادها حجم الحفرة المراد سدها, وذكر في تقرير مجلة السلوك الحيواني أنه ربما تكاثف عدد من أعضاء السرب لملء الحفر الأكبر.

ودرس سكوت باول و نايغل فرانكس من جامعة بريستول نوعا من النمل يسمى ايسيتون بيرتشيلي يسير عبر غابات أمريكا الوسطى والجنوبية في أسراب تضم ما يصل الى 200 ألف نملة, ودائما مايبقى السرب على صلة بالمستعمرة من خلال طابور طويل من النمل. لكن هذا الطابور الطويل من النمل قد يضطرب بشدة حين يمر أفراده فوق أوراق الشجر والأغصان المتناثرة على أرض الغابات , ومن ثم يعمد عدد قليل من النمل الى ملء الفجوات ليصنع مسارا سلسا.
وقال فرانكس في بيان أن النمل له طريقته التي يعتمد فيها على نفسه لإصلاح الطرق.
و أضاف باول أنه عندما يعبر السرب تتسلق النملات التي ملأت الفجوات الى خارج تلك الحفر وتتبع زملاءها عائدة الى المستعمرة.

يتضح من هاته التجربة أن بعض النملات تضحي بنفسها من أجل مصلحة السرب ككل أي المصلحة العامة.

أين نحن في هذا الزمان من كل هاته الصفات, ألم يخلقنا الله وفضلنا على سائر المخلوقات وسخر لنا الكون بكل ما فيه, فليناشد كل منا في داخله ولنتعلم من هذا المخلوق العجيب.
وعلى الرغم من أن الأبحاث الجديدة لبعض العلماء أثبتت أن مجتمع النمل لا يخلو من بعض السلبيات,كالحسد والغيرة والتشاجر فيما بينهم من أجل الغذاء......., إلا أنه يبقى مجتمع النمل مجتمع حيواني , ويبقى مجتمعنا نحن البشر مجتمع يحكمه العقل فهو الفاصل بيننا و بينهم.

الخميس، 7 مايو 2009

كفالة اليتيــــــم والأجر العظيــــــم





باسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



من أهم ما يميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم هو التواصل والتراحم بين أفرادها ومجتمعاتها, ولقد حث ديننا الحنيف على ذلك حيث


يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له الأعضاء بالسهر والحمى".



إذا فالتكافل والتراحم يعتبر منحة وتكريم رباني لهاته الأمة , حيث يعتبر وسيلة من وسائل تحقيق الترابط بين أفراد المجتمع المسلم وإرساء دعائم الاستقرار و الأمن الاجتماعي وتربية النشء على أسس وقيم أخلاقية شرعية .




ومن صور ومشاهد التكافل والتراحم , كفالة اليتيم التي تعتبر من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية حيث قال تعالى في كتابه العزيز: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 215



وقال تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء الآية 36 .




كما وضع الإسلام حوافز كثيرة تحث على السعي بل المسارعة إلى كفالة اليتيم ورعايته والعناية به من جميع النواحي, من أجل الفوز بهاته الحوافز ونيل رضا الله عز وجل .



عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري



وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ] رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري . وقال الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .



وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ) رواه الطبراني وقال الألباني حسن لغيره . انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .



وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) رواه البخاري ومسلم .



وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من مسح رأس يتيم لم يمسحها إلا الله كان له بكل شعرةًَََََ مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلي يتيمة أو يتيم عنده كنت انا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى) رواه أحمد




وقال أيضا صلى الله عليه وسلم):من عال ثلاثة من الأيتام كمن قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله ، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كهاتين أختان وألصق إصبعيه السبابة والوسطى ( رواه ابن ماجة



وتكون كفالة اليتيم بضمه الى أسرته , بمعنى تربيته والإنفاق عليه بالمعروف وتأديبه حتى يبلغ,أي أن يعامله كما يعامل أولاده.


يقول الامام النووي في شرح مسلم :(كَافِل الْيَتِيم ) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه ، أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة


وقال ابن حجر في فتح الباري : وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْمُعْجَم الصَّغِير " مِنْ حَدِيث جَابِر " قُلْت يَا رَسُول اللَّه مِمَّ أَضْرِب مِنْهُ يَتِيمِي ؟ قَالَ : مِمَّ كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدك وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْمُعْجَم الصَّغِير " مِنْ حَدِيث جَابِر " قُلْت يَا رَسُول اللَّه مِمَّ أَضْرِب مِنْهُ يَتِيمِي ؟ قَالَ : مِمَّ كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدك غَيْر وَاقٍ مَالَك بِمَالِهِ " وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَة مَالِك الْمَذْكُور " حَتَّى يَسْتَغْنِي عَنْهُ " فَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ لِلْكَفَالَةِ الْمَذْكُورَة أَمَدًا "

ولا يحق لكافل اليتيم ان يضحي بمال اليتيم ( ان كان له مال) من اجل سلامة ماله الشخصي ، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (غَيْر وَاقٍ مَالَك بِمَالِهِ )


وهاته أعلى درجات الكفالة حيث كانت هي الغالبة في عصر الصحابة, فقد كانوا رضي الله عنهم يضمون الأيتام إلى أسرهم.

كما يجوز أن تكون الكفالة بإرسال مبلغ مادي ينفقه عليه من هو قائم بأموره من أقارب أو جمعيات خيرية, إضافة الى أنه يمكن إشتراك أكثر من شخص في كفالة يتيم واحد , خاصة إذا كان غير قادر على كفالته وحده.



وتقدر كفالة اليتيم بضمان الحاجات الأساسية له دون الكمالية, كالمأكل والملبس والتعليم وغيرها مما يضمن له حياة كريمة.



لو أمعنا النظر في الفضائل السابقة الذكر,سنجد أن العمل بسيط للغاية مقارنة مع جزائه, فالفوز بالجنة يعتبر منحة ربانية عظيمة, فلنسعى جميعا لنيل هاته المنحة المباركة حتى لو كانت المساهمة بسيطة فأكيد أنها عند الله عظيمة, ولنتذكر دائما قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008