....ليتنا كنا نملا
باسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تصادفنا في كثير من الأحيان أسراب النمل,ذلك المخلوق المنظم العجيب, المنتشر هنا وهناك, غير أنه لكونه من الحشرات نجد أن نظرة الكثير منا له نظرة سطحية, بمعنى أنه شيء تافه لا يستحق أن نعيره أي إهتمام, فلو تأملناه جيدا وتابعنا سلوك حياته ستتغير نظرتنا تماما, وسنتمنى لو أننا فعلا نمل.
لقد ورد في القرآن الكريم ذكر النمل , حيث جاءت سورة كاملة باسمه ( سورة النمل ) , وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على قيمة النمل العظيمة حيث قال تعالى : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 17-19].
تروي هاته الآيات قصة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام مع النملة , ولو تأملنا جيدا في هاته الآيات لوجدنا فيها عدة عبر وفوائد عجيبة إليكم بعضا منها:
تأملوا معي جيدا هاته الجملة (يا أيها النمل) نلاحظ هنا أن خطاب النملة جاء للجميع , بمعنى أنها راعت في خطابها المصلحة الجماعية دون إعطاء إعتبار لأي شيء آخر, أي أنها لم تقتصر في ندائها على عشيرتها أو المقربين منها من النمل أو تنجو بنفسها وحدها دون أن تبالي بغيرها, نجد هنا أن المصلحة الجماعية طغت على جانب الأنانية لدى هاته النملة, فأين نحن كبشر من هذا كله فالكثير منا في وقتنا الحاضر يسير على مبدأ انا وبعدي الطوفان فكل همه على نفسه دون أن يعطي أدنى إهتمام لغيره......
إن تصرف النملة هذا جاء بناءا على ثقتها الكبيرة بنفسها, فهي رأت أن من واجبها تحذير قومها من هذا الخطر, مما جعلها تعقد همتها من دون هيبة أو إنتقاص لشأن نفسها ( أي أنها لم تقل في نفسها كيف وأنا بمفردي أستطيع إنقاذ الجميع), خصوصا وأن جيش نبي الله سليمان عليه السلام كان كبيرا, فهي لم تضعف أو تستسلم.
إضافة الى ذلك إحساسها بالمسؤولية إتجاه مجتمعها, كان له دافع كبيرا كذلك, مما جعلها تبادر بتحذير النمل دون أن تنتظر الآخرين أو أخذ الإذن منهم.
على الرغم من أن مرور نبي الله سليمان عليه السلام وجيشه على واد النمل كان فجأة , إلا أن النملة تمكنت من إيجاد الحل بفطنة ويقظة (أدخلوا مساكنكم) , فهي لم تكتفي بالنداء والتحذير فقط بل قدمت الحل كذلك بسرعة بديهة وذلك لكون الموقف حرج ولا يحتمل التأخير, وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تحليل الأحداث والتأمل في العواقب (لا يحطمنكم) أي أنها بتركيزها وفطنتها إستطاعة التنبؤ بالعواقب....
كما نجد أن النملة في هاته القصة العظيمة قد أحسنت الظن بالنبي سليمان وجنوده, و إلتمست لهم العذر في موقفهم هذا, (وهم لا يشعرون) فهي تيقنت أن الموقف جاء صدفة دون قصد, فإبتسامة نبي الله سليمان لها خير دليل على ذلك فهي تفيض عطفا وحنانا وتخفف من شدة الموقف وتعيد الأمن والسلام لهم (النمل).
على الرغم من كل هاته الصفات العظيمة التي تتحلى بها هاته النملة , فقد أثبتت دراسات وأبحاث العلماء على هذا المجتمع العجيب عدة صفات أخرى نذكر منها:
ذكر باحثان بريطانيان أن أسراب النمل حين يعترضها في طريقها بعض الحفر تضحي بالبعض منها في سبيل الباقين, حيث يعمد بعضها الى التمدد داخل الحفر حتى يصبح المسار أكثر إنسيابية لبقية السرب, وتوصل الباحثان الى أن نوعا من النمل يعيش في أمريكا الوسطى والجنوبية يختار أفرادا من السرب يناسب حجم أجسادها حجم الحفرة المراد سدها, وذكر في تقرير مجلة السلوك الحيواني أنه ربما تكاثف عدد من أعضاء السرب لملء الحفر الأكبر.
ودرس سكوت باول و نايغل فرانكس من جامعة بريستول نوعا من النمل يسمى ايسيتون بيرتشيلي يسير عبر غابات أمريكا الوسطى والجنوبية في أسراب تضم ما يصل الى 200 ألف نملة, ودائما مايبقى السرب على صلة بالمستعمرة من خلال طابور طويل من النمل. لكن هذا الطابور الطويل من النمل قد يضطرب بشدة حين يمر أفراده فوق أوراق الشجر والأغصان المتناثرة على أرض الغابات , ومن ثم يعمد عدد قليل من النمل الى ملء الفجوات ليصنع مسارا سلسا.
وقال فرانكس في بيان أن النمل له طريقته التي يعتمد فيها على نفسه لإصلاح الطرق.
و أضاف باول أنه عندما يعبر السرب تتسلق النملات التي ملأت الفجوات الى خارج تلك الحفر وتتبع زملاءها عائدة الى المستعمرة.
يتضح من هاته التجربة أن بعض النملات تضحي بنفسها من أجل مصلحة السرب ككل أي المصلحة العامة.
أين نحن في هذا الزمان من كل هاته الصفات, ألم يخلقنا الله وفضلنا على سائر المخلوقات وسخر لنا الكون بكل ما فيه, فليناشد كل منا في داخله ولنتعلم من هذا المخلوق العجيب.
وعلى الرغم من أن الأبحاث الجديدة لبعض العلماء أثبتت أن مجتمع النمل لا يخلو من بعض السلبيات,كالحسد والغيرة والتشاجر فيما بينهم من أجل الغذاء......., إلا أنه يبقى مجتمع النمل مجتمع حيواني , ويبقى مجتمعنا نحن البشر مجتمع يحكمه العقل فهو الفاصل بيننا و بينهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق