الوفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء ... خلق النبلاء

باسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق الوفاء ... وهو الخلق الذي الذي لا يتحلى به إلا أهل النبل والكرامة ...
وقد حث الله تعالى المؤمنين على أن يتحلوا بهذا الخلق، وحذر من الخيانة و الغدر ، وهما ضد الوفاء
قال الله تعالى: " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً " الإسراء: 34.
وقال تعالى: " وَأًوْفُوا بِعَهْدِ الله إذا عَاهَدْتُمْ " النحل: 91.
وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " المائدة: 1
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " . متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " . متفقٌ عليه.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغادر ينصب له لواء يوم
القيامة فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره " . أخرجه البخاري
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « لا تغرنكم طنطنة الرجل بالليل - يعني صلاته - فإن الرجل كل الرجل من أدى الأمانة إلى من ائتمنه ، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده ».
قال عوف بن النعمان في الجاهلية الجهلاء : « لأن أموت قائما عطشا أحب إلي من أن أكون مخلافا لموعد » .
قيل لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة رضي الله عنه قال : « إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش ، وقد كان مني إليه شبيه بالوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، اشهدوا أني قد زوجتها إياه » .
عن الحسن بن عبيد الله ، قال : قلت لإبراهيم : الرجل يواعد الرجل الميعاد ولا يجيء، قال : « لينتظره ما بينه وبين أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء » .
يحكى أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام مر على حواء يطارد حية ليأخذها فقالت الحية يا روح الله قل له لئن لم يلتفت عني لأضربنه ضرباً أقطعه قطعاً، فمر عيسى عليه السلام ثم عاد وإذا الحية في سلته، فقال لها عيسى ألست القائل كذا وكذا، فكيف صرت معه، فقالت يا روح الله إنه حلف لي فلئن غدرني فسم غدره أضر عليه من سمي .
واسمع هذه القصة :
قصة الطائي وشريك نديم النعمان بن المنذر، وتلخيص معناها أن النعمان كان قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه.
وكان هذا الطائي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته وصغاره، فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في يوم بؤسه فلما رآه الطائي علم أنه مقتول وأن دمه مطلول، فقال: حيا الله الملك إن لي صبية صغاراً وأهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء من البلغة لهم، وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس وقد قربت من مقر الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الطوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعاً ثم أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره. فلما سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله ورأى تلهفه على ضياع أطفاله رق له ورثى لحاله، غير أنه قال له: لا آذن لك حتى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن علي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له:
يا شريك بن عــدي ... ما من الموت انهزام
من الأطفال ضعــاف ...عدموا طعم الطعام
بين رجوع وانتظــار ... وافتقــارا وسقام
يا أخا كل كـــريم ... أنت من قوم كـرام
يا أخا النعمان جــد ... لي بضـمان والتزام
ولـك الله بـــأني ... راجع قبل الظــلام
فقال شريك بن عدي: أصلح الله الملك، علي ضمانه فمر الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع، وشريك يقول: ليس للملك علي سبيل حتى يأتي المساء فلما قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهب للقتل. فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكون الطائي فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتد عدوه في سيره مسرعاً حتى وصل. فقال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، ثم وقف قائماً وقال: أيها الملك مر بأمرك فأطرق النعمان ثم رفع رأسه وقال: والله ما رأيت أعجب منكما أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً يقوم فيه ولا ذكراً يفتخر به، وأما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة ألا وأني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك!!!.
و قصة أخرى عن رجل من بني إسرائيل، سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار فقال له : ائتني بشهداء أشهدهم عليك فقال : كفى بالله شهيدا، قال : فائتني بكفيل، قال : كفى بالله كفيلا ، قال صدقت ، فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في البحر وقضى حاجته، وجاء الأجل الذي أجل له فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وكتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر فقال : اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني شهودا وسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بك، وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بحقه فلم أجد وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله، فإذا هو بالخشبة التي فيها المال فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة، فأخذها فلما قدم الرجل، قال له : إني لم أجد مركبا يخرج فقال : إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة فانصرف بالألف راشدا !!!.
ما رأيك الآن ؟!
هذا بعض ما جاء في خلق الوفاء!!!؛ ولا شك أنك لاحظت أن هذا الخلق ذو معنى كبير، و هو مرتبط بشكل كبير بالعهود و العقود، لا يعني ذلك المعاملات المالية فحسب، بل كل أمر قائم على عهد، فالصداقة عهد، و الأبوة عهد، والزوجية عهد، والقرابة عهد ...
والوفاء بهذه العهود، يعني أن تؤدي ما عليك من واجبات نحوها، و هذا معنى عام للوفاء .
هذا يعني أن الوفاء خلق يلازمنا دائما، ولابد لنا منه .
مع ذلك يتهاون كثير من الناس به، تهاونا كبيرا و ملحوظا؛
لنستذكر سويا بعض الأمثلة:
* قد يستدين أحدنا مالا، من شخص آخر، و هو إما ينوي رده، أو لا ينوي رده؛ فإن كان لا ينوي رده فهو سارق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تزوج امرأة على صداق وهو ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن أدان دينا وهو ينوي أن لا يؤديه إلى صاحبه أحسبه قال فهو سارق " .
فإن نوى رده، أتعب الدائن، وأرهقه، ولعله يكون قد استغنى، وهو بذلك يظلمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم ".
ولعل الدائن يسأله أن يرد إليه ماله، فيدعي أنه غير قادر، بينما هو يملك مالا يغطي الدين ويزيد، وليته يصرفه في الضرورات، بل ويصرف قيمة الدين في الملذات!!!، والدائن المسكين ينتظر متى يرجع إليه ماله !!! .
لا أظن أن هذا خلق ينم عن رجولة و شهامة!!!
ثم يلام بعد ذلك بعض الناس، بأنه بخيل ولا يسلف من ماله!!! .
يقال جاء رجل إلى آخر يستلف منه مالا، فقال له صاحب المال لن أسلفك حتى تقبل يدي! ... تعجب الرجل، وقال ما كل هذه الإهانة؟! ...فقال صاحب المال، لأني سأقبل رجلك لكي تعيد إلي مالي !!!
*مثال آخر؛ المواعيد ؛ كثيرا ما يتصرف الناس هذا التصرف، وهو أن يعد شخصا بملاقاته في مكان معين، و يتفقان على ذلك، ثم ماذا يحصل؟!، لا يحضر أحدهما ، بل و لعل كليهما لا يحضر!!!، ليس نسيانا للموعد، بل ... لكل عذره ولكن طبعا ليس النسيان !!!
*مثال آخر؛ يعد شخصا بأن يفعل شيئا ما لصالحه، أو حتى لغيره، ثم ماذا...لا شيء، ببساطة فهو إما أنه لم يكن ينوي أصلا فعله، أو لسبب آخر ...و طبعا ليس النسيان!!!
فكثير منا كما ترى وتسمع، يحسن التعاهد والتعاقد، ولكن لا يحسن الوفاء، حتى لم يعد بين الناس مكان للثقة التي هي أساس كل العهود والعقود، ولك أن تتصور كيف سيكون الوضع ...!!!
صرنا نسمع عن الوفاء ولا ندري ما حقيقته، لأنه لم يعد موجودا في حياتنا، إلا ما رحم ربي!، وإن وجد كان استثناء!!! .
هذا عن الوفاء بمعناه البسيط، أما بمعناه العام، فلا داعي للتطرق إليه، حتى نستوعب المعنى البسيط!!!
قد تقول لماذا؟ ... حاول أن تجيب عن هذه الأسئلة أو بعضها، لتعرف لماذا:
هل أنت وفي لأصدقائك؟، هل أنت وفي لوالديك؟، هل أنت وفي لعملك؟، هل أنت وفي لعلمك؟، هل أنت وفي لمن صنع لك معروفا؟، ... هل أنت وفي لله ؟.
وتذكر وأنت تجيب أن من معاني الوفاء، أن تؤدي ما عليك من واجبات، نحو كل واحد منهم .
قد تقول إذا كان الوفاء هكذا!!!، ويبدو من الصعب التخلق به ...!!!
لا تيأس؛ صحيح أنه يبدو صعبا، ولكن ما المانع من أن تتخلق على الأقل بالوفاء بمعناه البسيط، فأي صعوبة في ذلك؟، وتأكد أن تخلقك بهذا النوع من الوفاء سيمرنك للتخلق بالوفاء بمعناه العام .
وقال تعالى: " وَأًوْفُوا بِعَهْدِ الله إذا عَاهَدْتُمْ " النحل: 91.
وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " المائدة: 1
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " . متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " . متفقٌ عليه.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغادر ينصب له لواء يوم
القيامة فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره " . أخرجه البخاري
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : « لا تغرنكم طنطنة الرجل بالليل - يعني صلاته - فإن الرجل كل الرجل من أدى الأمانة إلى من ائتمنه ، ومن سلم المسلمون من لسانه ويده ».
قال عوف بن النعمان في الجاهلية الجهلاء : « لأن أموت قائما عطشا أحب إلي من أن أكون مخلافا لموعد » .
قيل لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة رضي الله عنه قال : « إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش ، وقد كان مني إليه شبيه بالوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، اشهدوا أني قد زوجتها إياه » .
عن الحسن بن عبيد الله ، قال : قلت لإبراهيم : الرجل يواعد الرجل الميعاد ولا يجيء، قال : « لينتظره ما بينه وبين أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء » .
يحكى أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام مر على حواء يطارد حية ليأخذها فقالت الحية يا روح الله قل له لئن لم يلتفت عني لأضربنه ضرباً أقطعه قطعاً، فمر عيسى عليه السلام ثم عاد وإذا الحية في سلته، فقال لها عيسى ألست القائل كذا وكذا، فكيف صرت معه، فقالت يا روح الله إنه حلف لي فلئن غدرني فسم غدره أضر عليه من سمي .
واسمع هذه القصة :
قصة الطائي وشريك نديم النعمان بن المنذر، وتلخيص معناها أن النعمان كان قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه.
وكان هذا الطائي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته وصغاره، فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في يوم بؤسه فلما رآه الطائي علم أنه مقتول وأن دمه مطلول، فقال: حيا الله الملك إن لي صبية صغاراً وأهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء من البلغة لهم، وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس وقد قربت من مقر الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الطوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعاً ثم أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره. فلما سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله ورأى تلهفه على ضياع أطفاله رق له ورثى لحاله، غير أنه قال له: لا آذن لك حتى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن علي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له:
يا شريك بن عــدي ... ما من الموت انهزام
من الأطفال ضعــاف ...عدموا طعم الطعام
بين رجوع وانتظــار ... وافتقــارا وسقام
يا أخا كل كـــريم ... أنت من قوم كـرام
يا أخا النعمان جــد ... لي بضـمان والتزام
ولـك الله بـــأني ... راجع قبل الظــلام
فقال شريك بن عدي: أصلح الله الملك، علي ضمانه فمر الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع، وشريك يقول: ليس للملك علي سبيل حتى يأتي المساء فلما قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهب للقتل. فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكون الطائي فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتد عدوه في سيره مسرعاً حتى وصل. فقال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، ثم وقف قائماً وقال: أيها الملك مر بأمرك فأطرق النعمان ثم رفع رأسه وقال: والله ما رأيت أعجب منكما أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً يقوم فيه ولا ذكراً يفتخر به، وأما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة ألا وأني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك!!!.
و قصة أخرى عن رجل من بني إسرائيل، سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار فقال له : ائتني بشهداء أشهدهم عليك فقال : كفى بالله شهيدا، قال : فائتني بكفيل، قال : كفى بالله كفيلا ، قال صدقت ، فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في البحر وقضى حاجته، وجاء الأجل الذي أجل له فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وكتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر فقال : اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني شهودا وسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بك، وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بحقه فلم أجد وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله، فإذا هو بالخشبة التي فيها المال فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة، فأخذها فلما قدم الرجل، قال له : إني لم أجد مركبا يخرج فقال : إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة فانصرف بالألف راشدا !!!.
ما رأيك الآن ؟!
هذا بعض ما جاء في خلق الوفاء!!!؛ ولا شك أنك لاحظت أن هذا الخلق ذو معنى كبير، و هو مرتبط بشكل كبير بالعهود و العقود، لا يعني ذلك المعاملات المالية فحسب، بل كل أمر قائم على عهد، فالصداقة عهد، و الأبوة عهد، والزوجية عهد، والقرابة عهد ...
والوفاء بهذه العهود، يعني أن تؤدي ما عليك من واجبات نحوها، و هذا معنى عام للوفاء .
هذا يعني أن الوفاء خلق يلازمنا دائما، ولابد لنا منه .
مع ذلك يتهاون كثير من الناس به، تهاونا كبيرا و ملحوظا؛
لنستذكر سويا بعض الأمثلة:
* قد يستدين أحدنا مالا، من شخص آخر، و هو إما ينوي رده، أو لا ينوي رده؛ فإن كان لا ينوي رده فهو سارق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تزوج امرأة على صداق وهو ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن أدان دينا وهو ينوي أن لا يؤديه إلى صاحبه أحسبه قال فهو سارق " .
فإن نوى رده، أتعب الدائن، وأرهقه، ولعله يكون قد استغنى، وهو بذلك يظلمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم ".
ولعل الدائن يسأله أن يرد إليه ماله، فيدعي أنه غير قادر، بينما هو يملك مالا يغطي الدين ويزيد، وليته يصرفه في الضرورات، بل ويصرف قيمة الدين في الملذات!!!، والدائن المسكين ينتظر متى يرجع إليه ماله !!! .
لا أظن أن هذا خلق ينم عن رجولة و شهامة!!!
ثم يلام بعد ذلك بعض الناس، بأنه بخيل ولا يسلف من ماله!!! .
يقال جاء رجل إلى آخر يستلف منه مالا، فقال له صاحب المال لن أسلفك حتى تقبل يدي! ... تعجب الرجل، وقال ما كل هذه الإهانة؟! ...فقال صاحب المال، لأني سأقبل رجلك لكي تعيد إلي مالي !!!
*مثال آخر؛ المواعيد ؛ كثيرا ما يتصرف الناس هذا التصرف، وهو أن يعد شخصا بملاقاته في مكان معين، و يتفقان على ذلك، ثم ماذا يحصل؟!، لا يحضر أحدهما ، بل و لعل كليهما لا يحضر!!!، ليس نسيانا للموعد، بل ... لكل عذره ولكن طبعا ليس النسيان !!!
*مثال آخر؛ يعد شخصا بأن يفعل شيئا ما لصالحه، أو حتى لغيره، ثم ماذا...لا شيء، ببساطة فهو إما أنه لم يكن ينوي أصلا فعله، أو لسبب آخر ...و طبعا ليس النسيان!!!
فكثير منا كما ترى وتسمع، يحسن التعاهد والتعاقد، ولكن لا يحسن الوفاء، حتى لم يعد بين الناس مكان للثقة التي هي أساس كل العهود والعقود، ولك أن تتصور كيف سيكون الوضع ...!!!
صرنا نسمع عن الوفاء ولا ندري ما حقيقته، لأنه لم يعد موجودا في حياتنا، إلا ما رحم ربي!، وإن وجد كان استثناء!!! .
هذا عن الوفاء بمعناه البسيط، أما بمعناه العام، فلا داعي للتطرق إليه، حتى نستوعب المعنى البسيط!!!
قد تقول لماذا؟ ... حاول أن تجيب عن هذه الأسئلة أو بعضها، لتعرف لماذا:
هل أنت وفي لأصدقائك؟، هل أنت وفي لوالديك؟، هل أنت وفي لعملك؟، هل أنت وفي لعلمك؟، هل أنت وفي لمن صنع لك معروفا؟، ... هل أنت وفي لله ؟.
وتذكر وأنت تجيب أن من معاني الوفاء، أن تؤدي ما عليك من واجبات، نحو كل واحد منهم .
قد تقول إذا كان الوفاء هكذا!!!، ويبدو من الصعب التخلق به ...!!!
لا تيأس؛ صحيح أنه يبدو صعبا، ولكن ما المانع من أن تتخلق على الأقل بالوفاء بمعناه البسيط، فأي صعوبة في ذلك؟، وتأكد أن تخلقك بهذا النوع من الوفاء سيمرنك للتخلق بالوفاء بمعناه العام .
0 التعليقات:
إرسال تعليق