الأحد، 19 أبريل 2009

لـــــذة النجـــــــــاح




باسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




ما من أحد جرب النجاح إلا وجد له لذة غامرة, تغشى صاحبها حتى تنسيه كل ما بذله وهو يسعى إليها, غير أن الذي قد لا يعرفه إلا من أدمن النجاح, وإعتاد الصدارة, هو أن دون كل نجاح عقبات, ومن ورائه تبعات...



هل تظن أن من نذر نفسه لغاية ينشدها ليست له مطامع تنازعه, ورغبات تشده إلى الوراء, أتحسبه لا يشتهي الراحة والدعة, والأكل حتى الشبع, والشرب حتى الري... إنه ليس آلة مبرمجة لا تحتاج إلا إلى (وقود التشغيل) و (الصيانة الدورية), كلا إنه إنسان من لحم وعصب, ويحب أن يأخذ من طيبات ما أحل الله كما يأخذ غيره, ولكن نفسه تواقة,وهمته سباقة, فليست تستغرقه ملاذه عن غاياته, ولا تشغله رغباته عن أهدافه, يقتنص الفرص, ويهتبل السوانح, ليصنع شيئا ترضاه نفسه الكريمة, ويطمئن له قلبه الوثاب, وقل أن يجتمع لمن هذه حاله راحة البدن وغفوة الجفن...


ولو لم يكن بعد ذلك إلا الرضا لكفى, فقد بذل وجهد جهده فلم يقدر له ما أراد, فهو كما يقول ابن زريق:


وإن تنل أحدا منــا منيتـه **** فما الذي في قضاء الله يصنعه؟!


إنه منطق يشبه منطق امرىء القيس وهو يودع أيام لهوه, ويجد في طلب ملك أبيه فيقول:


بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه **** وأيقن أنا لاحقان بقيصــرا


فقلـت لــــه لا تبــك عينـــك إنمـا ****نحاول ملكا أو نموت فتعذرا



إنه الوقوف على طريقين لا ثالث لهما...


فإما حياةٌ تسرُّ الصديق ****وإما ممات يغيظُ العِدى


وما أحسنَ قول عمرو بنَ الإطنابة


أَبَتْ لِي عِفَّتِي وأَبَى بَـلائِي **** وأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيـحِ


وإِقْدامِي على المَكْـرُوهِ نَفْسِي ****وضَرْبِي هامَةَ البَـطَلِ المُشِيـحِ


وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ ****مَكانَكِ، تُحْمَـدِي أَو تَسْتَرِيحِي


لأُكْسِبَـــها مآثِــرَ صالِــحات **** وأَحْمِي بَعْدُ عن عِرْضٍ صَحِيح


بِــذِي شُطَب كمِثْلِ المِلْحِ صافٍ ****ونَفْسٍ مـا تَقِرُّ على القَبيـحِ



كلُّ راحةٍ تُلهيك عن غايتك فهي نَصَب، وكلُّ سكونِ بالٍ دونَ المرادِ فهو موتُ قلبٍ وإن تحركت الجوارح، وأرباب الهمم يستشرفون الفجر، فتحلو لهم مكابدةُ السهر، وفي الصباح يحمد القوم السرى ...



هذا عبد الرحمن الداخل لما قدمَ الأندلس أُهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلتُ عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلتُ بها عما أطلبه ظلمتُ همتي، ولا حاجة لي بها الآن. وردها على أصحابها.


لكنّ هذه الهمة التي حرمتْهُ لذةً تذوب لها النفوس، هي التي بلّغته مُلكاً أورثه عقبَه زماناً؛ بعد أن مزقتْ سيوف بني العباس ملكَ سَلَفِه !


جاء في ترجمة أبي مسلم الخراساني: من أكبر الملوك في الإسلام، كان ذا شأن عجيب ونبأ غريب، من رجلٍ يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب الدولة ويقيم دولة أخرى. قال عنه ابن خلكان: لم يُر ضاحكاً ولا مازحاً إلا في وقته.


لذةُ النجاح لا تكون إلا لمن كابده وتعنى له، أما من يلوك نجاح غيرِه فمحالٌ أن يَجِدَ له في حلقه طعماً، فدع ما مضى لمن مضى، وابحث عما عملت يداك لتنتشي بلذته، وآثر ثِمَادكَ (وهو القليل من الماء) الذي استخرجته يداك على بحرِ غيرك...


أكــدُّ ثِمادي وَالميـاهُ كَثيرَةٌ**** أُعالِـجُ مِنها حَـفرَها واِكتِدادَهـــا


وَأَرضى بِها مِن بَحرِ آخَرَ إِنَّهُ ****هُوَ الريُّ أَن تَرضى النُفوسُ ثَمادَها

0 التعليقات:

Blogger template 'BubbleFish' by Ourblogtemplates.com 2008